وخلافهم أولى بالاعتبار، لبلوغهم في الجملة: درجة الاجتهاد، فهم أفضل وأعلم طباق الأمة.
يقول الشافعي رحمه الله:
"وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَسَبَقَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُمْ، فَرَحِمَهُمْ اللَّهُ وَهَنَّأَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِبُلُوغِ أَعْلَى مَنَازِلِ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَدَّوْا إلَيْنَا سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَاهَدُوهُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَعَلِمُوا مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامًّا وَخَاصًّا وَعَزْمًا وَإِرْشَادًا، وَعَرَفُوا مِنْ سُنَّتِهِ مَا عَرَفْنَا وَجَهْلِنَا، وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ بِهِ عِلْمٌ وَاسْتُنْبِطَ بِهِ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَحْمَدُ، وَأَوْلَى بِنَا مِنْ رَأْيِنَا عِنْدَ أَنْفُسِنَا، وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ يَرْضَى أَوْ حُكِيَ لَنَا عَنْهُ بِبَلَدِنَا صَارُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سُنَّةً إلَى قَوْلِهِمْ إنْ اجْتَمَعُوا، أَوْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنْ تَفَرَّقُوا، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَمْ نَخْرُجْ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ". اهـ
"التوحيد"، ص267.
وعن تفسيرهم يقول ابن تيمية رحمه الله:
"إنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا قَالَ هَذِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ: إنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٍ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهَا وَلَا يَفْهَمُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعُهُمْ وَإِنَّمَا قَدْ يَنْفُونَ عِلْمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ". اهـ
ومما يشهد بأوليتهم في هذا الباب:
قول ابن مسعود، رضي الله عنه، وهو من كبار مفسري الصحابة رضي الله عنهم: "والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلمُ مكان أحد أعلمَ بكتاب اللّه مني تناوله المطايا لأتيته"
وقال مسروق رحمه الله: "كان عبد الله، (أي: ابن مسعود رضي الله عنه)، يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس".
وقال مجاهد رحمه الله: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها".
&&&&&
رابعا: تفسير القرآن بأقوال التابعين:
ومن أبرزهم أصحاب ابن عباس، رضي الله عنهما، بمكة، كمجاهد وعكرمة وطاووس.
وأصحاب أبي بن كعب، رضي الله عنه، بالمدينة، كزيد بن أسلم.
وأصحاب عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، بالكوفة كعلقمة والأسود.
واختلاف التابعين، كما تقدم، أغلبه: اختلاف تنوع:
"فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافًا، فيحكيها أقوالا وليس كذلك. فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينص على الشىء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن". اهـ من كلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد اتسعت دائرة الخلاف في عهد التابعين، لظهور المقالات المحدثة في أصول الدين في زمانهم، وبعد العهد بالوحي بانقراض جيل الصحابة، رضي الله عنهم، وفشو اللحن بدخول غير العرب في الإسلام.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥