"قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشىء فلا يرتاب في كونه حجة؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك". اهـ
وأما التفسير بالرأي فقد شدد فيه جمع من السلف، ومحل ذمه: الرأي العقلي المجرد بمعزل عن قانون اللسان وفهم السلف، أعلم طباق الأمة، فيعرض المستدل عن تفسيرهم، ويحدث أقوالا لا مستند لها من نقل أو عقل، انتصارا لمقالة حادثة، كحال أغلب أهل الأهواء ممن نصروا مقالاتهم بتتبع متشابه التنزيل، فحملوه على أوجه بعيدة ليصح استدلالهم به، فأعرضوا عن فهم السلف المتقدمين إلى فهم الخلف المتأخرين: زمانا ورتبة، فالخارجي يجعل القرآن خارجيا، والرافضي يجعل القرآن رافضيا ......... إلخ.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام. حدثنا مُؤَمَّل، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار". حدثنا وَكِيع، حدثنا سفيان،عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار". وبه إلى الترمذي قال: حدثنا عبد بن حميد، حدثني حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل أخو حزم القطعي قال: حدثنا أبو عمران الجَوْنِي، عن جُنْدُب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ "، قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل ابن أبي حزم.
وهكذا روى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أنهم شددوا في أن يفسر القرآن بغير علم. وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم: أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم. وقد روى عنهم ما يدل على ما قلنا، أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم. فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به. فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، واللّه أعلم". اهـ
وأما الاستنباط الفقهي وفق أصول معتبرة، فهو، وإن دخل في حد الرأي، إلا أنه رأي سائغ، ولا يكون ذلك إلا لآحاد العلماء الذين رسخت أقدامهم في علوم الملة، ولعل تفسير القرطبي، رحمه الله، خير شاهد على ذلك.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2009, 07:06 ص]ـ
ومع اتجاهات المفسرين وأولها:
أولا: الاتجاه الأثري:
وهو أول الاتجاهات ظهورا، لأن مستند الدين: النقل عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد اختلفت أقوال أهل العلم في القدر الذي فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
فذهب ابن تيمية، رحمه الله، إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام، قد فسر القرآن كاملا، امتثالا لنحو:
قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، فـ: "ما": موصولة تفيد العموم، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مأمور ببيان كل آيات الكتاب العزيز، فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة في حقه، فلا يعقل أنه أخر بيان شيء من الوحي، ولو كان فاعلا لكتم نحو قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)، وعند أحمد، رحمه الله، من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها: ( ................ وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}).
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥