يعتد بغير قول النحاة، أصحاب الشأن، فكذلك الحقائق الشرعية لا يحصل بيانها إلا من جهة صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فبيان مثل ذلك واجب في حقه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من باب أولى، وإليه أشار في "مراقي السعود" بقوله:
تصيير مشكل من الجلي ******* وهو واجب على النبي
وجمع بعض أهل العلم، كالشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله، بين القولين فقال بأن بيان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لآي الكتاب العزيز قد وقع:
بالقول وبالفعل: كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، المتقدم، وكما في بيانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجملات الكتاب من صلاة وزكاة وصيام وحج بالقول والفعل، فوقع بيان الصلاة على سبيل المثال بـ:
القول: كما في حديث مالك بن الحويرث، رضي الله عنه، مرفوعا: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
يقول ابن حبان، رحمه الله، معلقا: " «صلوا كما رأيتموني أصلي» لفظة أمر تشتمل على كل شيء كان يستعمله صلى الله عليه وسلم في صلاته، فما كان من تلك الأشياء خصه الإجماع أو الخبر بالنقل فهو لا حرج على تاركه في صلاته وما لم يخصه الإجماع أو الخبر بالنقل فهو أمر حتم على المخاطبين كافة لا يجوز تركه بحال". اهـ
والفعل: كما في حديث سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، وفيه: (إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي).
بل وقع بيان بعض مجملات الشريعة بالإشارة، كما في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ).
ووقع أيضا: بالإقرار سواء أكان الإقرار منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مباشرة إما بوقوع الفعل في مجلسه وسكوته عنه كأكل الضب على مائدته، وإما ببلوغه وسكوته، وإما بوقوع الفعل في زمنه، وسكوت الوحي وإقراره، فإنه لا يقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على خلاف الأولى، ولا يقر أمته على خطأ، وبذلك استدل بعض أهل العلم على مشروعية أمور بوقوعها زمن الرسالة وسكوت الوحي عنها وإقراره لها، وإن لم تحدث في مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل وإن لم تحدث في المدينة، كإمامة عمرو بن سلمة، رضي الله عنه، قومه، وكان صغيرا لما يبلغ، وعزل الصحابة، رضي الله عنهم، كما في حديث جابر، رضي الله عنه، فلكلٍ حكم الرفع، لوقوعه زمن الرسالة، ولو كان شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ، كما قال جابر رضي الله عنه.
وقد بين عليه الصلاة والسلام كثيرا من معاني القرآن، ولم يبينها كلها، لأن منها ما لا يحتاج إلى بيان لوضوح معناه ابتداء، ومنها ما يتعذر بيانه لاستئثار الباري، عز وجل، بعلمه، كالحروف المقطعة، على تفصيل في ذلك، فقد ذهب بعض أهل العلم، كابن عباس، رضي الله عنهما، إلى نفي وجود ما يتعذر بيانه في القرآن، فأثبتوا معان للحروف المقطعة.
ويؤيد هذا القول ما رواه الطبري، رحمه الله، من طريق: أبي الزناد عن الأعرج قال: قال ابن عباس: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله".
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
قال ابن جرير: وقد روى نحوه في حديث في إسناده نظر: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا ابن وهب قال: سمعت عمرو بن الحارث يحدث عن الكلبي، عن أبي صالح، مولى أم هانئ، عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام، لا يعذر أحد بالجهالة به. وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء. ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب".
والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي؛ فإنه متروك الحديث؛ لكن قد يكون إنما وهم في رفعه. ولعله من كلام ابن عباس، كما تقدم، والله أعلم بالصواب". اهـ
وفي إسناده أيضا:
أبو صالح باذام: قال في "ميزان الاعتدال":
باذام، أبو صالح ......... : تابعي.
ضعفه البخاري.
وقال النسائي: باذام ليس بثقة.
¥