يقول الزركشي، رحمه الله، في "البرهان": "ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم وإن فسره بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه". اهـ
فمرجع ترجيج تفسيرهم النقلي: أنهم شهدوا نزول الوحي، ومرجع ترجيح تفسيرهم اللغوي: أنهم أهل اللسان.
ويقول ابن كثير رحمه الله: "فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: فمَا أحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟ فَالْجوابُ: إنَّ أصَحَّ الطُّرُقِ في ذلك أنْ يُفَسَّرَ القرآنُ بالقرآنِ، فما أُجْمِلَ في مكَانٍ فإنه قد بُسِطَ في مَوْضِعٍ آخرَ، فإن أعْياكَ فَعَلَيْكَ بالسُّنَّة؛ فإنها شَارِحةٌ للقُرْآنِ وَمُوَضِّحةٌ له، وحِينَئذٍ إذا لم نَجِدِ التفْسِيرَ فِي القُرآنِ ولا في السُّنةِ رَجَعْنا في ذلك إلى أَقْوالِ الصَّحابةِ؛ فإنهم أدْرَى بذلك لما شَاهَدُوا من القَرائِنِ والأحْوالِ التي اخْتُصُّوا بها، ولِما لهم مِنَ الفَهْمِ التَّامِ والعِلْم الصَّحِيح والعَمَلِ الصَّالِحِ، لاسيَّما عُلَماءَهُم وكُبَراءَهُمْ كالأئمَّةِ الأربعةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدين، والأئمة المهتدِينَ الْمهدِيِّينَ، وعَبْدَ الله بن مَسْعودٍ - رضي الله عنهم أجمعين - وإذا لم تَجِدِ التفْسِيرَ في القُرآنِ ولا في السُّنةِ ولا وَجَدْتَهُ عنِ الصَّحابةِ فقد رَجَعَ كَثير من الأئمةِ في ذلك إلى أقوالِ التَّابِعينَ". اهـ
والإلمام بلغة العرب أمر لا غنى عنه في تفسير آي الكتاب العزيز، فبه ظهر التفاوت بين أئمة التفسير المتقدمين، فكلما كان المفسر ملما بلهجات العرب، صار تفسيره في أعلى مراتب الاعتبار.
يقول مجاهد رحمه الله: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب". اهـ
والأثر عند صاحب: "البرهان"، وصاحب: "الإتقان" رحمهما الله.
ويقول ابن خلدون رحمه الله: "إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه". اهـ
ويقول القرطبي رحمه الله:
"وقال ابن عطية: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القران على سبعة أحرف": أي فيه عبارة سبع قبائل بلغة جملتها نزل القران، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ، ألا ترى أن "فطر" معناه عند غير قريش: ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس، حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موضع قوله تعالى: "فاطر السموات والأرض".
وقال أيضا: ما كنت أدري معنى حينئذ موضع قوله تعالى: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق"، حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: "تعال أفاتحك، أي: أحاكمك".
وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: "أو يأخذهم على تخوف"، أي: على تنقص لهم". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 60، 61).
فوقع لابن عباس، رضي الله عنهما، مع كونه ترجمان القرآن، ولعمر، رضي الله عنه، من اللبس ما وقع حتى جاء البيان من لغة العرب، ممن قولهم حجة، فهم أهل اللسان، وإن كانوا أعراباً من أهل الوبر.
يقول ابن قتيبة رحمه الله: "إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك عن بعض". اهـ
واختلاف الصحابة، رضي الله عنهم، غالبه من: اختلاف التنوع، فيستفاد من كل قول وجه من أوجه المعنى الكلي، كالتعريف بالمثال، فإن تعدد الأمثلة مما يثري المعنى، إذ لا تعارض بين أمثلة النوع الواحد، فهي بمنزلة الأفراد التي يجمعها معنى كلي مشترك، فتكون دلالتها الكلية واحدة، وإن اختلفت دلالاتها الجزئية، كتفسير الطاعة مثلا: بالصلاة، أو الزكاة، أو الصيام ........ إلخ، فإن معنى الطاعة الكلي متحقق فيها وإن اختلفت معانيها الجزئية.
والقاعدة أن: إعمال الأقوال أولى من إهمالها فمتى صح العمل بجميع الأقوال دون تعارض لم نحتج إلى ترجيح بينها.
وإن وقع اختلاف التضاد بين أقوالهم بحيث لا يمكن الجمع بينها، فلا مناص من الترجيح، فيختار المفسر أقربها إلى كليات الشريعة ومقاصدها.
¥