والاختلاف بين الصحابة أقل من الاختلاف بين التابعين، والاختلاف في القرن الثاني أقل من الاختلاف في القرن الثالث وهكذا كلما قرب الزمان: ضاق الخلاف، وكلما بعد اتسع وانتشر، ولذلك يظهر من البدع أولا ما كان أخف، فإذا طال الزمان ظهر الأغلظ فالأغلظ.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جدًا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر". اهـ
"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص18.
&&&&&
وأما تفسير التابعين فهو حجة فيما أجمعوا عليه، فإن اختلفوا على وجه لا يمكن الجمع فيه بين الأقوال المتعارضة، فلا مناص من الترجيح بينها من باب أولى.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك". اهـ
"شرح مقدمة أصول التفسير"، ص85.
&&&&&
وأما تفسير أتباع التابعين فقد أدخله بعض أهل العلم في مصادر التفسير بالأثر، بوصفهم خاتمة القرون المفضلة، فلأقوالهم من الاعتبار ما يجعلها مصدرا معتمدا لهذا الاتجاه.
وقد انتصر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، إلى القول بوجوب الأخذ بأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، فهي في حكم المرفوع، على التفصيل السابق، فمنزلتها منزلة: زيادة الثقة، وهي مقبولة مطلقا عند جمهور الفقهاء والأصوليين، بخلاف أهل الحديث والأثر، وإلى ذلك أشار صاحب "مراقي السعود"، رحمه الله، بقوله:
والرفع والوصل وزيد اللفظ ******* مقبولة عند إمام الحفظ
وإمام الحفظ: هو مالك رحمه الله.
وألحق بهم: التابعين وتابعيهم استدلالا بقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
"التيسير في أصول التفسير"، ص58.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 03 - 2009, 07:21 ص]ـ
ومن مصادر التفسير الأثري:
الإسرائيليات:
فقد روى بعض الصحابة، رضي الله عنهم، وكثير ممن تلاهم، بعض أخبار أهل الكتاب عمن أسلم منهم، ولم يكن مقصودهم الاحتجاج بها، أو رفعها إلى صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهم أجل من أن ينسبوا إليه، عليه الصلاة والسلام، ما لم يقله، وإنما رووها على سبيل الموعظة والاستئناس.
يقول الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله، في حاشية "الباعث الحثيث" على "اختصار علوم الحديث": "وأما ما يحكيه بعض الصحابة من أخبار الأمم السابقة، فإنه لا يعطى حكم المرفوع أيضا، لأن كثيرا منهم رضي الله عنهم كان يروي الإسرائيليات عن أهل الكتاب، على سبيل الذكرى والموعظة، لا بمعنى أنهم يعتقدون صحتها، أو يستجيزون نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاشا وكلا".
"الباعث الحثيث"، حاشية ص66، 67.
وعليه يحمل سماع عمر، رضي الله عنه، من كعب الأحبار، في بعض الأوقات، وإليه أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "وهذه الأقوال - والله أعلم -، (أي: الأقوال في كون الذبيح هو إسحاق عليه الصلاة والسلام)، كلها مأخوذة عن كعب الأحبار، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر، رضي الله عنه عن كتبه، فربما استمع له عمر، رضي الله عنه، فترخص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا عنه غثها وسمينها، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف واحد مما عنده ". اهـ
¥