تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وطعن غيرهم في حديث قرظة هذا وردوه؛ لأن الآثار الثابتة عن عمر رضي الله عنه خلافه، منها ما روى مالك ومعمر وغيرهما عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث السقيفة أنه خطب يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها، من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته، ومن خشي أن لا يعيها فإني لا أحل له أن يكذب علي إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل معه آية الرجم، وذكر الحديث. وهذا يدل على أن نهيه عن الإكثار وأمره بإقلال الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان خوف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفا أن يكون مع الإكثار أن يحدثوا بما لم يتقنوا حفظه ولم يعوه؛ لأن ضبط من قلت روايته أكثر من ضبط المستكثر وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الإكثار؛ فلهذا أمرهم عمر بالإقلال من الرواية ولو كره الرواية وذمها لنهى عن الإقلال منها والإكثار، ألا تراه يقول: فمن حفظها ووعاها فليحدث بها فكيف يأمرهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عنه؟ هذا لا يستقيم بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالإقلال منه وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه؟ بقوله: «من حفظ مقالتي ووعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته» ثم قال: «ومن خشي أن لا يعيها فلا يكذب علي» وهذا يوضح لك ما ذكرنا، والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدور على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب؛ لأنه يعارض السنن والكتاب، قال الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وقال في النبي: (النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)، وقال: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله)، ومثل هذا في القرآن كثير ولا سبيل إلى اتباعه والتأسي به والوقوف عند أمره إلا بالخبر عنه، فكيف يتوهم أحد على عمر رضي الله عنه أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها»، الحديث .......... وفيه الحض على التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم وقال: «خذوا عني» في غير ما حديث، و «بلغوا عني» .............. وهذا يدلك أنه إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوف الاشتغال عن تدبر السنن والقرآن؛ لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه ............................. ثم قال بعد ذلك بمواضع: وقد يحتمل عندي أن تكون الآثار كلها عن عمر صحيحة متفقة، ويخرج معناها على أن من شك في شيء تركه، ومن حفظ شيئا وأتقنه جاز له أن يحدث به، وأن الإكثار يحمل الإنسان على التقحم أن يحدث بكل ما سمع من جيد ورديء وغث وسمين ......... وقال في موضع تال: «الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار دون تفقه ولا تدبر، والمكثر لا يأمن مواقعة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لروايته عمن يؤمن وعمن لا يؤمن»، وذكر آثارا تدل على ذلك من قبيل حديث أبي قتادة، رضي الله عنه، مرفوعا: «إياكم وكثرة الحديث ومن قال عني فلا يقولن إلا حقا»، وقول ابن شبرمة رحمه الله: «أقلل الرواية تفقه» ". اهـ بتصرف.

وكان عمر، رضي الله عنه، شديدا على من اتبع المتشابه، صيانة للدين، كما في واقعة صبيغ بن عسل، فقد شبه على المسلمين بسؤاله، فلم يكن سؤاله: سؤال الطالب المستبصر، وإنما كان سؤال المشبه الملبس، فلم يكن بد من عقابه، لئلا يخوض فيما نهي عن الخوض فيه، فتعزيره من باب حفظ الدين، وهو أول الضروريات الخمس، وإليه تؤول بقيتها، فهي بمنزلة المكمل له، إذ هو غاية الله، عز وجل، من خلق عباده: إنسهم وجنهم.

فمسلكه في النهي عن الإكثار من الرواية خشية الغلط أو الكذب يجري مجرى نهيه عن تتبع متشابهات القرآن تلبيسا على عموم المسلمين، فكلاهما: صيانة للملة.

يقول الآجري رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير