تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجواب: أن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان كغيره من الصحابة، لا يأخذ عن الإسرائيليات ما ثبت في شريعتنا نسخه أو كذبه، وإنما كان يمتثل الأمر النبوي في حديث: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ)، فما ذكر في الإسرائيليات ولم يشهد له شرعنا بصدق أو كذب، فتجوز روايته من باب الاستئناس لا الاعتماد، ولا يجوز تصديقه أو تكذيبه، لعدم قيام الدليل المعتبر من شريعتنا على ذلك، فيحكى كما تحكى القصص، وغالب هذه الأخبار مما لا تتعلق به عقيدة ولا شريعة، وإنما هي تفاصيل جزئية مبينة لقصص قرآني مجمل، وسبقت الإشارة إلى ذلك تفصيلا.

وابن عباس، رضي الله عنهما، نفسه، كان ممن ينهى عن التوسع في الأخذ عن بني إسرائيل لعدم احتياج الأمة إلى ذلك، فإن رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كافية لأمته: أصولا وفروعا، وعند البخاري من طريق أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُبَ قَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا أَوَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

ومن الشبه أيضا:

محاولة جولدسيهر الإيحاء بوجود تضارب كبير في الروايات المنقولة في تفسير بعض الآيات، كتعيين الذبيح على سبيل المثال: هل هو إسحاق أو إسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، فهناك روايات مختلفة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في هذه المسألة:

منها روايات مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ذكر في بعضها أن الذبيح هو إسحاق عليه الصلاة والسلام، وفي بعض آخر ذكر أن الذبيح هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

ومنها روايات موقوفة منها مل ذكر فيه أن الذبيح هو إسحاق عليه الصلاة والسلام، وهو ما يخالف ما تقرر عند جماهير المسلمين من كون الذبيح هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وآيات الصافات نص في محل النزاع، وآية هود: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ): مما يستأنس به في ترجيح كون الذبيح هو إسماعيل عليه الصلاة والسلام، إذ بشر الله، عز وجل، سارة، عليها السلام، بإسحاق ومن ورائه يعقوب، عليهما السلام، لتقدم ذلك في علمه الأول، ولا يجوز أن يبشرها بحياة إسحاق عليه السلام وخروج يعقوب عليه السلام من صلبه، ثم يأمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبحه وهو غلام لما يحتلم، فخبر البشارة بيعقوب: لا يقبل النسخ، إذ الأخبار لا تقبل النسخ كما تقرر في الأصول إلا إن كانت تفيد الإنشاء، كالخبر المراد به الأمر، على تفصيل ليس هذا موضعه، فلا يعارض هذا الخبر بأمر، فترجح أن الخبر في حق إسحاق عليه الصلاة والسلام، والأمر في حق إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"ومن ها هنا استدل من استدل بهذه الآية، على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق؛ لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده. ووعد الله حق لا خُلْفَ فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه، ولله الحمد". اهـ

وإذا رجعنا إلى الروايتين المرفوعتين اللتين حاول جولدسيهر الإيحاء بوقوع التعارض بينهما ليضعف ثقة القارئ في التفسير المنقول، وهذه حلقة من حلقات سلسلة خبيثة في التشكيك في السنة المنقولة إلينا بأسانيدها سواء أكانت مرفوعة أم موقوفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير