أن رجال إسناديهما: من آل البيت، رضي الله عنهم، لا سيما الطريق الرابعة فهي مسلسلة بالأئمة من لدن جعفر، رحمه الله، إلى علي، رضي الله عنه، وقد علم أن الكذب في النقل عنهم قد كثر كثرة فاحشة لم تعرف في الإسلام عن غيرهم، إذ انتحل محبتهم وموالاتهم أقوام من الزنادقة، أرادوا الطعن في دين الإسلام فنسبوا طعونهم إلى آل البيت، رضي الله عنهم، لتروج على المسلمين المعظمين للعترة النبوية.
وعند مسلم، رحمه الله، في مقدمته من طريق: الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَيَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا.
وقال أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وقال طَاوُسٍ قَالَ أُتِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَحَاهُ إِلَّا قَدْرَ وَأَشَارَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِذِرَاعِهِ.
ولذلك فإن أصح الروايات عن علي، رضي الله عنه، ما نقلها أصحاب عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، لأنهم عدول ضابطون تقبل روايتهم إذا صح الإسناد إليهم.
ولذلك فإنه يلزم قبل قبول الروايات المسلسلة بآل البيت، رضي الله عنهم، التحري عن حال الراوي عنهم، فقد يكون الإسناد صحيحا في ظاهره، ولكنه مركب على متن منكر، فتكون العلة من أعلى، كما يقول أهل العلم، إذ وضع كذابٌ المتن ثم ركب عليه هذا الإسناد، أو سرقه من كذاب مثله ثم ركب عليه هذا الإسناد الناصع ليروج على عموم المسلمين ممن لا علم لهم بهذه الصناعة.
وفي "التدريب":
"قال الحاكم: وأصح أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي , إذا كان الرَّاوي عن جعفر ثقة". اهـ
"تدريب الراوي"، (1/ 57).
&&&&&
رابعا: أبي بن كعب رضي الله عنه:
وأشهر الطرق إليه:
أولا: طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي رضي الله عنه.
وهذه طريق صحيحة وقد ورد عن أبي نسخة كبيرة في التفسير يرويها أبو جعفر الرازي بهذا الإسناد إلى أبي، وقد خرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا، وأخرج الحاكم منها أيضا في مستدركه والإمام أحمد في مسنده.
وأبو جعفر الرازي، رحمه الله، هو: عيسى بن ماهان، وقد وثقه ابن سعد، رحمه الله، في "الطبقات". ويرد على ذلك: قول الحافظ، رحمه الله، في "التقريب": صدوق سيئ الحفظ. وقال ابن حبان، رحمه الله، كما نقل عنه الحافظ، رحمه الله، في "التهذيب": "كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات"، وقال ابن حبان، رحمه الله، في "المجروحين": "سمعت محمد بن محمود بن عدي يقول: سمعت علي بن سعيد بن جرير يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أبو جعفر الرازي مضطرب الحديث"، وفي: "من له رواية في الكتب الستة": "قال أبو زرعة: يهم كثيرا، وقال: النسائي ليس بالقوي، ووثقه أبو حاتم "، وعند العقيلي، رحمه الله، في "الضعفاء": "حدثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول: أبو جعفر الرازي ليس بالقوي في الحديث". اهـ
فالقول بصحة هذه الطريق فيه نظر. والله أعلم.
ثانيا: طريق وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي عن أبي بن كعب وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده وهي على شرط الحسن، لأن عبد الله بن محمد بن عقيل: صدوق تكلم فيه من جهة حفظه.
وفي "ميزان الاعتدال"، (2/ 484):
"روى جماعة عن ابن معين: ضعيف.
وقال ابن المدينى: لم يدخل مالك في كتبه ابن عقيل، واحتج به أحمد وإسحاق.
وقال أبو حاتم وغيره: لين الحديث. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، (وهي: شهادة مهمة من إمام عرف عنه نوع تساهل في التعديل ومع ذلك لم يمرر حديث عبد الله بن محمد).
وقال الترمذي: صدوق، (وقد علم تساهل الترمذي في التعديل).
وتكلم فيه بعضهم من قبل حفظه.
وقال ابن حبان: ردئ الحفظ، يجئ بالحديث على غير سننه، فوجبت مجانبة أخباره، (وهذا جرح شديد من ابن حبان، رحمه الله، وقد علم تشدده في الجرح فلزم التأني والتحري قبل قبوله).
وروى الترمذي عن البخاري قال: كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه، وقال علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن ابن عقيل، (ويحيى، رحمه الله، من النقاد الذين غلب عليهم التعنت في الرجال، كما أشار إلى ذلك الذهبي، رحمه الله، في مواضع كقوله في ترجمة حرب بن شداد في "السير" وقد تكلم فيه يحيى: هذا من تعنت يحيى في الرجال، وله اجتهاده، فلقد كان حجة في نقد الرواة).
وقال آخر: كان ابن عقيل خيرا عابدا فاضلا في حفظه شيء".
فالقول بأن حديثه حسن فيه نوع توسع إلا إن قصد بالحسن: الحسن لغيره، فيعتضد بغيره ليرتقي إلى مرتبة الاحتجاج كما قرر أهل الاصطلاح.
والله أعلى وأعلم.
وبذلك تنتهي هذه النبذة عن الاتجاه الأول من اتجاهات المفسرين: "الاتجاه الأثري" ولله الحمد والمنة.
يتبع إن شاء الله.
¥