ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 08:15 ص]ـ
ثانيا: الاتجاه الفقهي:
وقد ظهر هذا الاتجاه متأخرا، لأن الاختلافات الفقهية لم تتبلور إلا متأخرا بعد تدوين المذاهب المتبوعة، فكانت كتب التفسير بمنزلة الشارح لأدلة المذهب، ولذلك ظهر من التكلف في حمل الآيات على فروع المذهب ورد استدلال المخالف بها ما ظهر، فأبو بكر الجصاص الحنفي، رحمه الله، ينتصر لمذهب الأحناف، رحمهم الله، في "أحكامه"، ويرد على المخالف بشدة لا تخلو من تعصب، وقد انقسمت مصنفات هذا الاتجاه إلى قسمين:
الأول: قسم عني بتفسير آيات الأحكام فقط كـ: "أحكام القرآن" للجصاص الحنفي، رحمه الله، ولم يعن فيه بذكر الأقوال المتعارضة والترجيح بينها، و: "أحكام القرآن" لابن العربي المالكي، رحمه الله، وآيات الأحكام الصريحة تبلغ نحو: 500 آية، وعند التحقيق لا يلزم المفسر الاقتصار عليها إذ بقية آي الكتاب يمكن استنباط أحكام فقهية منها، ولو بطريق الإشارة والتنبيه، وإنما قصد من قصد تفسير آيات الأحكام في هذا القسم: آيات الأحكام الصريحة، كآيات الطلاق والرضاع والظهار والدين .............. إلخ.
والثاني: قسم عني بتفسير القرآن كاملا، ولكنه أولى آيات الأحكام عناية كبيرة، بل واستنبط من بقية الآيات أحكاما فقهية دقيقة المسلك، فكان تفسيره أشبه بالجامع الفقهي منه بالتفسير الشارح لمعاني الكتاب، وأشهر مصنفات هذا القسم: "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي المالكي، رحمه الله، وهو عمدة في التفسير الفقهي، لا سيما وقد تجرد مصنفه من التعصب المذهبي فذكر أقوال غير المالكية وتصدى لعرض المسائل في نزاهة وتجرد مرجحا ما دل عليه الدليل، وإن خالف مذهبه، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك:
ترجيحه غير قول مالك، رحمه الله، في مسألة: فطر الناسي في نهار رمضان:
فالجمهور على صحة صومه فلا يلزمه القضاء لحديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)، وهو نص في محل النزاع، بخلاف المالكية، رحمهم الله، الذين اطرد عندهم أصل: فساد العبادة بسقوط أحد أركانها، ولو سهوا، فمن نسي سجودا في ركعة سهوا، بطلت الركعة، وإن لم يأثم لنسيانه، فالناسي غير مكلف.
والجواب: أن قولهم يصح في غير ما ورد النص بخلافه، فالنص: أصل بنفسه لا يعارض بأصل مستنبط، وقياس الصوم على الصلاة في هذه الصورة: قياس فاسد الاعتبار لمعارضته نصا في محل النزاع، وإلى ذلك أشار في المراقي بقوله:
والخلف للنص أو إجماع دعا ******* فساد الاعتبار كل من وعا
يقول القرطبي، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ): "وعند غير مالك: ليس بمفطر كل من أكل ناسيا لصومه.
قلت: وهو الصحيح، وبه قال الجمهور: إن من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه وإن صومه تام، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه ولا قضاء عليه - في رواية - وليتم صومه فإن الله أطعمه وسقاه).
أخرجه الدارقطني. وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات". اهـ
ومن ذلك أيضا:
اختياره لرواية الشافعي، رحمه الله، في وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وهي خلاف الرواية المشهورة عن مالك رحمه الله:
التي قال فيها بعدم القراءة فيما يجهر فيه الإمام، لأنه سكوته حينئذ: سكوت إلى بدل، بخلاف سكوته في السرية فهو سكوت إلى غير بدل، فتلزمه القراءة.
يقول القرطبي، رحمه الله، في بيان مذهب المالكية، رحمهم الله، في هذه المسألة:
"وأما إذا جهر الإمام ................. فلا قراءة بفاتحة الكتاب ولا غيرها في المشهور من مذهب مالك، لقول الله تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" [الأعراف: 204]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لي أنازع القرآن)، وقوله في الإمام: (إذا قرأ فأنصتوا)، وقوله: (من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة) ". اهـ
بتصرف من: "الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 126).
ويقول في موضع تال مرجحا قول الشافعي وأحمد:
¥