"الصحيح من هذه الأقوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الآخر، وأن الفاتحة متعينة في كل ركعة لكل أحد على العموم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)، وقوله: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج) ثلاثا". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 127).
ومنه أيضا: ترجيح قول الجمهور في مسألة الرهن إذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الدين، فأيهما يقبل قوله بيمينه؟
فالجمهور على أن القول قول الراهن بيمينه لأنه غارم، والأصل: أن القول قول الغارم، ما لم يدع ما يخالف الظاهر كأن يكون الرهن مائة ألف والدين مائة، فإن العادة لم تجر برهن دين كهذا في ضآلته، برهن كهذا في عظمته، فتلزمه إقامة بينة على ذلك، لأن قوله بما يخالف العادة هو في حد ذاته: دعوى تفتقر إلى بينة إذ هي خلاف الأصل المطرد، وما كان خلاف الأصل المطرد يجري مجرى الناقل عن الأصل، فيقدم لزيادة العلم فيه بشرط أن يقيم البينة على ذلك، وإلا كان قوله محض دعوى، وللمخالف أن يعارضها بمحض دعوى مثلها، فـ: دعوى في مقابل دعوى.
وقد خالف مالك، رحمه الله، فقال بأن القول: قول المرتهن.
وتجرد القرطبي، رحمه الله، كعادته، فرجح قول الجمهور لأنه اعتضد بالدليل وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).
يقول القرطبي رحمه الله:
"لما قال الله تعالى: (فليملل الذى عليه الحق) دل ذلك على أنه مؤتمن فيما يورده ويصدره، فيقتضى ذلك قبول قول الراهن مع يمينه إذا اختلف هو والمرتهن في مقدار الدين والرهن قائم، فيقول الراهن رهنت بخمسين والمرتهن يدعى مائة، فالقول قول الراهن والرهن قائم، وهو مذهب أكثر الفقهاء: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، واختاره ابن المنذر قال: لأن المرتهن مدع للفضل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه".
وقال مالك: القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ولا يصدق على أكثر من ذلك. فكأنه يرى أن الرهن ويمينه شاهد للمرتهن، وقوله تعالى: "فليملل الذى عليه الحق" رد عليه. فإن الذى عليه الحق هو الراهن". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (3/ 341).
ومنه أيضا:
ما أشار إليه في مسألة: إمامة ولد الزنا: فقد حكى الخلاف، وذكر قول مالك، رحمه الله، بكراهة ذلك ثم ذكر آراء المخالفين، وختم بقول ابن عبد البر، رحمه الله، وهو من محققي المالكية، فقد ذهب إلى جواز ذلك إذا استوفى الإمام شروط الإمامة وليس منها صحة النسب، وذلك مشعر باختياره ما خالف قول مالك رحمه الله.
يقول القرطبي رحمه الله:
"واختلفوا في إمامة ولد الزنى فقال مالك أكره أن يكون إماما راتبا وكره ذلك عمر بن عبد العزيز وكان عطاء بن أبي رباح يقول له أن يؤم إذا كان مرضيا وهو قول الحسن البصري والزهري والنخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وتجزئ الصلاة خلفه عند أصحاب الرأي وغيره أحب إليهم وقال الشافعي أكره أن ينصب إماما راتبا من لا يعرف أبوه ومن صلى خلفه أجزأه وقال عيسى بن دينار لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزنى وليس عليه من ذنب أبويه شيء ونحوه قال ابن عبد الحكم إذا كان في نفسه أهلا للإمامة قال ابن المنذر: يؤم لدخوله في جملة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم).
وقال أبو عمر، (وهو: ابن عبد البر رحمه الله)، ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الإمامة ما يدل على مراعاة نسب وإنما فيها دلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين". اهـ
بتصرف من: "الجامع لأحكام القرآن"، (1/ 342، 343).
وقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، مما يؤيد ما ذهب إليه القرطبي رحمه الله.
ومنه أيضا:
إشارته إلى نوع تناقض في قول من أجاز للعبد أن ينكح أربعا، مع قوله بتشطير الحد في حقه وكذلك الطلاق، فيحد خمسين في الزنا وأربعين في القذف وليس له من الطلاق إلا مرتان: والقول بإباحة نكاح العبد أربعا هو قول إمامه مالك، رحمه الله، ومع ذلك لم يمنعه اختيار مالك ذلك القول من التنكيت عليه بما سبق.
يقول القرطبي رحمه الله:
¥