وما قاله الشافعي أصوب، فإن نفس الوطء بإدخال الحشفة لا يزيدها في رشدها إذا كانت عارفة بجميع أمورها ومقاصدها، غير مبذرة لمالها". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 34).
ومنه اختياره القول بعدم قسمة ما تفوت مصلحة الانتفاع به بقسمته، خلافا لمالك، رحمه الله، الذي قال بوجوب ذلك لقوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
فـ "ما" في "مما": نص في العموم فيشمل الجليل والحقير من المال أو الأرض أو العقار الموروثة.
يقول القرطبي رحمه الله: "استدل علماؤنا بهذه الآية في قسمة المتروك على الفرائض إذا كان فيه تغيير عن حاله، كالحمام والبيت وبيدر الزيتون والدار التي تبطل منافعها بإقرار أهل السهام فيها.
فقال مالك: يقسم ذلك وإن لم يكن في نصيب أحدهم ما ينتفع به، لقوله تعالى: (مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) ....................... وقال في آخر كلامه: والأظهر سقوط القسمة فيما يبطل المنفعة وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 41، 42).
ومن ذلك أيضا:
اختيار قول الشافعي، رحمه الله، في حكم السعي، فهو فرض بخلاف قول أبي حنيفة وأصحابه، رحمهم الله، وقول مالك، رحمه الله، في العتبية، فقد قالوا بأنه سنة.
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 163)، في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
ولم يرتض، رحمه الله، قول مالك، رحمه الله، في إنكار تقليد الغنم.
يقول القرطبي رحمه الله:
"وأما القلائد فهي كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه، من نعل أو غيره، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام، وهي سنة البقر والغنم.
قالت عائشة رضي الله عنها: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها، أخرجه البخاري ومسلم، وإلى هذا صار جماعة من العلماء: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب، وأنكره مالك وأصحاب الرأي وكأنهم لم يبلغهم هذا الحديث في تقليد الغنم، أو بلغ لكنهم ردوه لانفراد الأسود به عن عائشة رضي الله عنها، فالقول به أولى". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (6/ 35).
واختيار قول الشافعي، رحمه الله، في مسألة: أقل المهر: فلا حد له عنده تمسكا بعموم قوله تعالى: (بأموالكم)، في حين ذهب مالك، رحمه الله، إلى أن أقله: ربع دينار، أي: ثلاثة دراهم، وقال أبو حنيفة رحمه الله: أقله دينار أو عشرة دراهم.
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 110، 111). في تفسير قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
ومخالفة مالك وأحمد، رحمهما الله، في مسألة: استباحة العاصي الميتة حال الضرورة إذا اقترن بها معصية:
يقول القرطبي رحمه الله:
"واختلف العلماء إذا اقترن بضرورته معصية، بقطع طريق وإخافة سبيل، فحظرها عليه مالك والشافعي في أحد قوليه لأجل معصيته، لأن الله سبحانه أباح
ذلك عونا، والعاصي لا يحل أن يعان، فإن أراد الأكل فليتب وليأكل.
وأباحها له أبو حنيفة والشافعي في القول الآخر له، وسويا في استباحته بين طاعته ومعصيته.
قال ابن العربي: وعجبا ممن يبيح له ذلك مع التمادي على المعصية، وما أظن أحدا يقوله، فإن قاله فهو مخطئ قطعا.
¥