والقول بالخروج إن شاء الله أصح، للسنة الثابتة في ذلك، ولا يمتنع أن يستثني الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته ". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 272).
ومنه اختيار القرطبي، رحمه الله، جواز إصلاح الحاكم بين المتخاصمين وإن ظهر الحق خلافا لمالك رحمه الله:
يقول القرطبي رحمه الله:
"وفي هذا الحديث إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم وإن ظهر الحق. ومنعه مالك، واختلف فيه قول الشافعي. وهذا الحديث حجة واضحة على الجواز". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 234).
ومن ذلك اختياره قول الشافعي، رحمه الله، في مسألة قدر الدية:
يقول القرطبي رحمه الله:
"وقال المزني: قال الشافعي الدية الإبل، فإن أعوزت فقيمتها بالدراهم والدنانير على ما قومها عمر، ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق ............ وقال في ختام المسألة: واختلفت الروايات عن عمر رضي الله عنه في أعداد الدراهم وما منها شيء يصح عنه لأنها مراسيل، وقد عرفتك مذهب الشافعي وبه ونقول". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 276).
ومسألة إثبات وقوع القتل شبه العمد:
يقول القرطبي رحمه الله:
"ذكر الله عز وجل في كتابه العمد والخطأ ولم يذكر شبه العمد وقد اختلف العلماء في القول به، فقال ابن المنذر: أنكر ذلك مالك، وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ.
وذكره الخطابي أيضا عن مالك وزاد: وأما شبه العمد فلا نعرفه.
قال أبو عمر: أنكر مالك والليث بن سعد شبه العمد، فمن قتل عندهما بما لا يقتل مثله غالبا كالعضة واللطمة وضربة السوط والقضيب وشبه ذلك فإنه عمد وفيه القود. (وهذا جار على أصول المالكية، رحمهم الله، في التغليظ في العقوبات).
قال أبو عمر: وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين.
وذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن هذا كله شبه العمد.
وقد ذكر عن مالك وقاله ابن وهب وجماعة من الصحابة والتابعين.
قال ابن المنذر: وشبه العمد يعمل به عندنا.
وممن أثبت شبه العمد الشعبي والحكم وحماد والنخعي وقتادة وسفيان الثوري وأهل العراق والشافعي، وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
قلت، (أي القرطبي رحمه الله): وهو الصحيح، فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ الأصل صيانتها في أهبها، فلا تستباح إلا بأمر بين لا إشكال فيه، وهذا فيه إشكال، لأنه لما كان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد، فالضرب مقصود والقتل غير مقصود، وإنما وقع بغير القصد فيسقط القود وتغلظ الدية". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 286، 287).
ومنه الاستدراك على رواية ابن القاسم عن مالك قصر قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)، على صورة: تشميت العاطس:
يقول القرطبي رحمه الله:
"واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها، فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس والرد على المشمت. وهذا ضعيف، إذ ليس في الكلام دلالة على ذلك، أما الرد على المشمت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه.
والله أعلم.
وقال ابن خويز منداد: وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب، فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها .......... ثم قال في ختام المسألة:
والصحيح أن التحية ههنا السلام، لقوله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله).
وقال النابغة الذبياني:
تحييهم بيض الولائد بينهم ******* وأكسية الإضريج فوق المشاجب.
أراد: ويسلم عليهم.
وعلى هذا جماعة المفسرين". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 259، 260).
ومنه: استدراكه على قياس علماء المالكية، رحمهم الله، إجزاء رد الواحد من الجماعة على إجزاء سلام الواحد:
يقول القرطبي رحمه الله:
"ولما أجمعوا على أن الواحد يسلم على الجماعة ولا يحتاج إلى تكريره على عداد الجماعة، كذلك يرد الواحد عن الجماعة وينوب عن الباقين كفروض الكفاية.
¥