ومن المعاصرين: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، المتوفى سنة 1393 هـ، وكتابه عمدة في هذا الاتجاه، فقد تصدى للتفسير الأصولي ابتداء، وضمن كتابه جملة نافعة من مسائل علوم اللسان العربي، لاسيما البلاغة، فهي وثيقة الصلة بعلم الأصول.
وبذلك تنتهي هذه النبذة عن الاتجاهات المتعلقة بعلم الفقه: "أصولا وفروعا" ولله الحمد والمنة.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2009, 07:02 ص]ـ
رابعا: الاتجاه اللغوي:
والاتجاه اللغوي يمكن تقسيمه إلى اتجاهين رئيسين:
أولا: اتجاه يدرس مباني الألفاظ وتراكيب الجمل ويشمل:
ما يتعلق بمعاني المفردات ومن أبرز ما ألف فيها: كتب غريب القرآن، سواء أكانت الغرابة ناشئة من نفس اللفظ، أم من اقتصار قبيلة بعينها على استعمالها، فالغرابة: غرابة لفظ أو غرابة قبيلة، يقول الخطابي رحمه الله:
"الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد عن الفهم، كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل.
والغريب من الكلام يقال به على وجهين:
أحدهما: أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه، لا يتناول الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر.
والآخر: أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها". اهـ
ومن أمثلة ذلك:
ما خفي على عمر، رضي الله عنه، من معنى "التخوف" في قوله تعالى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وهو التنقص في لغة هذيل.
يقول أبو السعود رحمه الله:
"وقيل: التخوّفُ التنقّص، قال قائلهم
تخوّفَ الرحلُ منها تامكاً قردا ******* كما تخوّفَ عودَ النبعة السفن
أي يأخذُهم على أن يَنْقُصَهم شيئاً بعد شيءٍ في أنفسهم وأموالِهم حتى يهلِكوا". اهـ
وقال الطبري، رحمه الله، في تفسيره: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس: (عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: التنقص، والتفزيع.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ): على تنقص.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: تنقص.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) فيعاقب أو يتجاوز.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) قال: كان يقال: التخوّف: التنقُّص، ينتقصهم من البلدان من الأطراف". اهـ
ومنه ما خفي على أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، من معنى "الأب" تحديدا في قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)، وإن علم بدلالة الآية التالية أنه طعام للدواب، كما أن الفاكهة طعام للآدميين، ففي السياق: لف ونشر مرتب: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)، فالفاكهة للآدميين، والأب للأنعام بمقتضى اللف والنشر المرتب.
فما خفي عليهما: نوع الطعام لا جنسه.
روى الطبري، رحمه الله، في "تفسيره" من طريق:
"يونس عن ابن وهب، قال: أخبرني يونس وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: قال الله: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا) كلّ هذا قد علمناه، فما الأبّ؟ ثم ضرب بيده، ثم قال: لعمرك إن هذا لهو التكلف، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب، قال عمر: وما يتبين فعليكم به، وما لا فدعوه".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
¥