بينما يرى الخوارج كفره ظاهرا وباطنا، وخلوده في النار إن مات مصرا غير تائب، فمذهبهم أشد المذاهب غلوا، وهم أصرح المخالفين لأهل السنة عبارة، فقد قالوا بالكفر والخلود في النار صراحة.
خلافا لأهل الاعتزال الذين استعاروا مقالة: "الوسط الذهبي" من فلاسفة اليونان، كما أشار إلى ذلك بعض الباحثين المعاصرين، فأحدثوا مقالة: "المنزلة بين المنزلتين"، فمرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر، فقد خرج من الإيمان بكبيرته، ولم يصر كافرا في الدنيا، فاستحق اسم الفاسق، ومآله إلى الخلود في النار إن مات مصرا غير تائب، وهذا عين قول الخوارج، فهم، عند التحقيق، يوافقون أهل السنة في اسم مرتكب الكبيرة في الدنيا، ويوافقون الخوارج في حكمه يوم القيامة، وهذا تناقض بين، بخلاف أهل السنة الذين اطردت مقالتهم، بل والخوارج الذين اطردت مقالتهم، أيضا، مع فسادها، ومخالفتها نصوص الكتاب والسنة.
ومنه أيضا: قوله في قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا):
يقول أبو حيان رحمه الله:
"وذهب الزمخشري إلى أن التقدير أمرناهم بالفسق ففسقوا ورد على من قال أمرناهم بالطاعة فقال: أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا وهذا لا يكون، فبقي أن يكون مجازاً، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خوَّلهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبر كما خلقهم أصحاء أقوياء وأقدرهم على الخير والشر، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية، وآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليهم القول، وهي كلمة العذاب فدمرهم ................ أما ما ارتكبه من المجاز وهو أن {أمرنا مترفيها} صببنا عليهم النعمة صباً فيبعد جداً. وأما قوله وأقدرهم على الخير والشر إلى آخره فمذهب الاعتزال ................. ". اهـ بتصرف.
فمذهب المعتزلة في أفعال العباد: أنها مخلوقة لهم، فنسبتها إلى الله، عز وجل، ولو على جهة الخلق: نسبة مجازية، فقد اطرد عندهم تسليط المجاز على النصوص التي تنقض مقالاتهم في الصفات والقدر ......... إلخ، ومن اعتدل منهم قال: خلق الله طاقة الفعل ولم يخلق الفعل، أو خلق الخير ولم يخلق الشر، والصحيح أن الله، عز وجل، خلق: طاقة الفعل، وخلق الفعل نفسه، وأنه خلق الخير والشر، وإنما وقع أولئك فيما وقعوا فيه بعدم التفريق بين الإرادتين:
الشرعية: فلا تكون إلا فيما يحب الله، عز وجل، ويرضى، ولا يلزم منها وقوع الفعل.
والكونية: وتكون فيما يحب الله، عز وجل، وفيما يكره، ويلزم منها وقوع الفعل.
فالله، عز وجل، لم يرد الشر شرعا، وإن أراده كونا لحكمة تفوق مفسدة وقوعه.
وأبو حيان، رحمه الله، معظم لسيبويه، رحمه الله، وخلافه مع ابن تيمية، رحمه الله، في ذلك معروف مشهور في كتب أهل العلم.
وثانيا: الاتجاه البلاغي: ويمثله الزمخشري، غفر الله له، في "كشافه" فقد أولى قضايا البيان والمعاني جل اهتمامه حتى صار كتابه عمدة في هذا الباب على اعتزاليات دسها في ثنايا كلامه دس السم في العسل ببراعة تخفى على كثير من العلماء فضلا عن عموم المسلمين.
وقد سار على طريقته: أبو السعود، رحمه الله، وللفخر الرازي، رحمه الله، مشاركة جليلة في هذا الباب.
ومن المعاصرين: صاحب "التحرير والتنوير": الطاهر بن عاشور رحمه الله.
وبذلك تنتهي هذه النبذة الموجزة عن الاتجاهات المتعلقة بعلوم اللغة: "غريبا ونحوا وبلاغة" ولله الحمد والمنة.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2009, 07:22 ص]ـ
ومن المباحث الأدبية المهمة:
مبحث علم المناسبات: وهو علم دقيق المسلك لطيف المأخذ تظهر بمباشرة مسائله روائع القرآن البلاغية من نسج محكم وسبك متقن، فالوحدة الموضوعية للسورة الواحدة، والوحدة الموضوعية بين السورة وتاليتها.
يقول الزركشي رحمه الله:
¥