تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَالَ جَابِرٌ: وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمُسْتَنَدُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِهِ وَهَدْيِهِ الَّذِي هُوَ يُفَصِّلُ الْقُرْآنَ وَيُفَسِّرُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بَعْدَهُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ؟ هَذَا عَيْنُ الْمُحَالِ". اهـ

فهم السادة الذين يرجع لأقوالهم، ولا يتعصب لأعيانهم، فالحق لا يخرج عن مجموعهم، وإن فات آحادهم، في مسائل فرعية تحتمل الخلاف ولا يخرج الحق فيها عن دائرتهم، فإجماعهم معصوم، بخلاف من جاء بعدهم، فإن فئاما منهم، لا سيما أصحاب المقالات الحادثة، قد حكوا الإجماع على باطلهم!، ولا ترى لمقالتهم أثرا في الصدر الأول، بل لم يستعلنوا بها إلا بعد انقضاء القرن الأول، فادعوا ما لم تدعه الأوائل، ولسان حالهم الاستدراك على مقام النبوة، ومقام الخلافة الراشدة، ولذلك كان المعتبر في الإجماع في كلام المحققين من أهل العلم: الإجماع زمن الشيخين، رضي الله عنهما، إذ بعدهما تفرق الصحابة، رضي الله عنهم، أهل الرأي والمشورة في الأمصار.

ولذلك أيضا: كان كل تأويل حادث بعدهم على خلاف ما تقرر عندهم من حمل النصوص على ظاهرها: باطلا، إذ لو كان خيرا لسبقوا إليه، فهم أعلم الناس بمباني التنزيل ومعانيه، فلا يتصور أن يفوتهم من أمر الملة ما يظهر لمن جاء بعدهم ممن نزل إسناده وخالطت العجمة لسانه، فمنزلته في الدين أدنى، وإنما يحمد بما وافقهم عليه، واتبع طريقتهم فيه، وأكمل الناس حالا أتبعهم للأمر الأول: أمر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحبه رضوان الله عليهم جميعا.

ومنه تأويل الأحكام امتثالا بالفعل واجتنابا بالترك:

كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ)، أي: يمتثل أمره بالتسبيح والاستغفار.

وفي حديث أسامة رضي الله عنه: (وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ)، أي يمتثل العفو كما أمره الله، عز وجل، في نحو:

قوله تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)

وأما التأويل المذموم فهو حمل الألفاظ على غرائب المجازات وشواذ اللغات انتصارا للمقالات الحادثات في العلوم والأعمال.

وعن حال أهل التأويل في العقائد العلمية يقول ابن القيم رحمه الله:

"فَأَصْلُ خَرَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إنَّمَا هُوَ مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِكَلَامِهِ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُرَادُهُ، وَهَلْ اخْتَلَفَتْ الْأُمَمُ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ؟ وَهَلْ وَقَعَتْ فِي الْأُمَّةِ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ؟ فَمِنْ بَابِهِ دَخَلَ إلَيْهَا، وَهَلْ أُرِيقَتْ دِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ؟ وَلَيْسَ هَذَا مُخْتَصًّا بِدِينِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، بَلْ سَائِرُ أَدْيَانِ الرُّسُلِ لَمْ تَزَلْ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَالسَّدَادِ حَتَّى دَخَلَهَا التَّأْوِيلُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير