تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْبِشَارَاتُ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَكِنْ سَلَّطُوا عَلَيْهَا التَّأْوِيلَاتِ فَأَفْسَدُوهَا، كَمَا أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ - عَنْهُمْ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْكِتْمَانِ، فَالتَّحْرِيفُ تَحْرِيفُ الْمَعَانِي بِالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَمْ يُرِدْهَا الْمُتَكَلِّمُ بِهَا، وَالتَّبْدِيلُ تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَالْكِتْمَانُ جَحْدُهُ.

وَهَذِهِ الْأَدْوَاءُ الثَّلَاثَةُ مِنْهَا غُيِّرَتْ الْأَدْيَانُ وَالْمِلَلُ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ دِينَ الْمَسِيحِ وَجَدْتَ النَّصَارَى إنَّمَا تَطَرَّقُوا إلَى إفْسَادِهِ بِالتَّأْوِيلِ بِمَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ قَطُّ مِثْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْيَانِ، وَدَخَلُوا إلَى ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ.

وَكَذَلِكَ زَنَادِقَةُ الْأُمَمِ جَمِيعُهُمْ إنَّمَا تَطَرَّقُوا إلَى إفْسَادِ دِيَانَاتِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ بِالتَّأْوِيلِ، وَمِنْ بَابِهِ دَخَلُوا، وَعَلَى أَسَاسِهِ بَنَوْا، وَعَلَى نُقَطِهِ خَطُّوا". اهـ

ويقول في موضع آخر:

"وَيَكْفِي الْمُتَأَوِّلِينَ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَمْ يُرِدْهَا، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِرَأْيِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَقَدَّمُوا آرَاءَهُمْ عَلَى نُصُوصِ الْوَحْيِ، وَجَعَلُوهَا عِيَارًا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ عَلِمُوا أَيَّ بَابِ شَرٍّ فَتَحُوا عَلَى الْأُمَّةِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَأَيَّ بِنَاءٍ لِلْإِسْلَامِ هَدَمُوا بِهَا، وَأَيَّ مَعَاقِلَ وَحُصُونٍ اسْتَبَاحُوهَا لَكَانَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَكُلُّ صَاحِبِ بَاطِلٍ قَدْ جَعَلَ مَا تَأَوَّلَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ عُذْرًا لَهُ فِيمَا تَأَوَّلَهُ هُوَ، وَقَالَ: مَا الَّذِي حَرَّمَ عَلَيَّ التَّأْوِيلَ وَأَبَاحَهُ لَكُمْ؟ فَتَأَوَّلَتْ الطَّائِفَةُ الْمُنْكِرَةُ لِلْمَعَادِ نُصُوصَ الْمَعَادِ، وَكَانَ تَأْوِيلُهُمْ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلِ مُنْكِرِي الصِّفَاتِ، بَلْ أَقْوَى مِنْهُ لِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ يَعْرِفُهَا مَنْ وَازَنَ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَحْنُ نُعَاقِبُ عَلَى تَأْوِيلِنَا وَتُؤْجَرُونَ أَنْتُمْ عَلَى تَأْوِيلِكُمْ؟ قَالُوا: وَنُصُوصُ الْوَحْيِ بِالصِّفَاتِ أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ مِنْ نُصُوصِهِ بِالْمَعَادِ، وَدَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَيْهَا أَبْيَنُ فَكَيْفَ يَسُوغُ تَأْوِيلُهَا بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا وَلَا يَسُوغُ لَنَا تَأْوِيلُ نُصُوصِ الْمَعَادِ". اهـ

وعن حال أهل التأويل في الشرائع الحكمية يقول رحمه الله:

"أَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مِنْ شَأْنِكُمْ مَعَاشِرَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّكُمْ إذَا وَجَدْتُمْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تُوَافِقُ رَأْيَ صَاحِبِكُمْ أَظْهَرْتُمْ أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ بِهَا، وَالْعُمْدَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَا قَالَهُ، لَا عَلَى الْآيَةِ، وَإِذَا وَجَدْتُمْ آيَةً نَظِيرَهَا تُخَالِفُ قَوْلَهُ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَا، وَتَطَلَّبْتُمْ لَهَا وُجُوهَ التَّأْوِيلِ وَإِخْرَاجَهَا عَنْ ظَاهِرِهَا حَيْثُ لَمْ تُوَافِقْ رَأْيَهُ، وَهَكَذَا تَفْعَلُونَ فِي نُصُوصِ السُّنَّةِ سَوَاءً، وَإِذَا وَجَدْتُمْ حَدِيثًا صَحِيحًا يُوَافِقُ قَوْلَهُ أَخَذْتُمْ بِهِ، وَقُلْتُمْ: " لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْت وَكَيْت "، وَإِذَا وَجَدْتُمْ مِائَةَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ بَلْ وَأَكْثَرَ تُخَالِفُ قَوْلَهُ لَمْ تَلْتَفِتُوا إلَى حَدِيثٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَتَقُولُونَ: لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا وَجَدْتُمْ مُرْسَلًا قَدْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَخَذْتُمْ بِهِ وَجَعَلْتُمُوهُ حُجَّةً هُنَاكَ، وَإِذَا وَجَدْتُمْ مِائَةَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير