تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"قدمت {الزَّانِيَةُ} في الآية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكن مجاهرات بذلك. وقيل: لأن الزنا في النساء أعر وهو لأجل الحبل أضر. وقيل: لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب فصدرها تغليظا لتردع شهوتها وإن كان قد ركب فيها حياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله. وأيضا فإن العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 133، 134).

يقول ابن كثير رحمه الله:

"ثم قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} هذه الآية الكريمة فيها تشريع حكم حد الزاني، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرًا، وهو الذي لم يتزوج، أو محصنا، وهو الذي قد وَطِئَ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل. فأما إذا كان بكرًا لم يتزوج، فإن حدَّه مائة جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يُغرّب عاما عن بلده عند جمهور العلماء، خلافا لأبي حنيفة، رحمه الله، فإن عنده أن التغريبَ إلى رأي الإمام، إن شاء غَرَّب وإن شاء لم يغرِّب". اهـ بتصرف يسير.

وذلك بناء على أصل أبي حنيفة، رحمه الله، في زيادات أخبار الآحاد على القرآن المتواتر، فهو يرى أن: أي زيادة في خبر الآحاد على القرآن المتواتر: "منسوخة"، لأن الزيادة عنده: ناسخة مطلقة، فلو عمل بزيادة الآحاد على المتواتر، لآل الأمر إلى نسخ المتواتر بالآحاد، وهو أمر يمنعه جمهور الأصوليين، وإن كان للمخالف في ذلك حجة قوية، لأن النسخ إنما يقع في الأحكام لا الألفاظ، ودلالة اللفظ على الحكم، سواء أكان متواترا أم آحادا: دلالة ظنية، فلا مانع من رفع هذه الدلالة الظنية بدلالة أقوى منها، وإن جاءت في خبر آحاد، وقد رد الجمهور على أبي حنيفة، رحمه الله، في هذه الصورة فقالوا بأن: النسخ غير لازم في هذه الصورة، لأن زيادة التغريب لا تنافي الجلد، ومن شروط النسخ: أن يتعارض الناسخ مع المنسوخ على وجه لا يمكن فيه الجمع بينهما، والسياق غير حاصر، فلو كان سياق الكلام: لا تعاقبوهم إلا بالجلد مائة جلدة، لصح قول أبي حنيفة، رحمه الله، لأن الحصر يثبت الحكم للمحصور وينفيه عما سواه، فيكون، كما تقدم، دالا بالمنطوق: على ثبوت الحكم للمحصور، ودالا بالمفهوم: على انتفائه عمن سواه، فلا تشرع زيادة التغريب عندئذ، مع أن الأحناف، رحمهم الله، لا يقولون بمفهوم المخالفة أصلا.

بتصرف من "مذكرة في أصول الفقه"، ص90، 91.

وقد سرد ابن كثير، رحمه الله، أدلة الباب، فذكر منها:

ما ثبت في الصحيحين، من رواية الزهري، عن عُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهَنيّ، في الأعرابيين اللذين أتيا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني كان عَسِيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة وَوَليدَة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريبَ عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رَدٌّ عليك، وعلى ابنك جَلْدُ مائة وتغريبُ عام. واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها". فغدا عليها فاعترفت، فرجمها". اهـ

ثم علق ابن كثير، رحمه الله، بقوله:

"ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج". اهـ

وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "لأقضين بينكما بكتاب الله"، دليل لمن يحتج بقراءة الآحاد في الأحكام، لأن آية الرجم، لما نسخت تلاوتها، صارت خبر آحاد، وخبر الآحاد يحتج به مطلقا في: العلميات والعمليات، على الصحيح من أقوال المحققين من أهل العلم، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن عبد البر المالكي، رحمه الله، في "التمهيد" بقوله: "وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، وعلى ذلك جماعة أهل السنة". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير