تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكانت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)، فالسبيل هو: الجلد والتغريب لغير المحصن، والجلد والرجم للمحصن، وهذا نص في الجمع بين الجلد والرجم وهو: نص في محل النزاع.

وأشار القرطبي، رحمه الله، إلى اتفاق العلماء على نسخ آيتي الحبس والأذى اللتين في النساء بهذه الآية.

وقال بعض أهل العلم: لا نسخ في هذه الصورة، وإنما الآية الأولى: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا): مغياة، وغايتها: آية الجلد، وهو اختيار الشيخ السعدي، رحمه الله، ونص كلامه: "وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن". اهـ

والخلاف يسير، لأن كلا القولين يثبت حكم الجلد بالكتاب والرجم بالسنة على التفصيل السابق.

والأمر في قوله تعالى: (فاجلدوا): للإمام أو من يقوم مقامه، فليس لآحاد الناس استيفاء الحدود.

وختم الله، عز وجل، الآية بقوله: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ):

فالمنهي عنه هنا: الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك إقامة الحد لا الرأفة الطبيعية.

وقوله تعالى: (فِي دِينِ اللَّهِ):

يقول القرطبي رحمه الله:

" {فِي دِينِ اللَّهِ} أي في حكم الله، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] أي في حكمه. وقيل: {فِي دِينِ اللَّهِ} أي في طاعة الله وشرعه فيما أمركم به من إقامة الحدود". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 138).

والشرط في قوله: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، للإلهاب والتهييج على امتثال الحكم، فلا مفهوم له، ليقال بأن المنطوق: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، والمفهوم: وإن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر فلا جناح عليكم أن تأخذكم بهم رأفة في دين الله.

وإلى ذلك أشار الشيخ ابن هشام، رحمه الله، عند كلامه على قول الشاعر:

أتغضَبُ إن أذُنا قُتيبة حُزَّتا ******* جِهاراً ولمْ تغضب لقتل ابن خازم؟

فقال: "وأجاب الجمهور عن قوله تعالى: (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جيء به للتهييج والإلهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا". اهـ

بتصرف يسير من "مغني اللبيب"، (1/ 48).

وكذا القرطبي، رحمه الله، فقال في تفسير هذه الآية:

"ثم قررهم على معنى التثبيت والحض بقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. وهذا كما تقول لرجل تحضه: إن كنت رجلا فافعل كذا، أي هذه أفعال الرجال". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 138).

وقوله تعالى: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ):

أي ليشهد عذابهما من يصدق عليه وصف "الطائفة"، وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن الطائفة: الرجل فما فوقه، وقال الإمام أحمد رحمه الله: "إن الطائفة تصدق على واحد"، ويؤيده: تبويب البخاري رحمه الله:

"بَاب مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}

فَلَوْ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ دَخَلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير