اللغة، لأن الكلمة، وإن استعملت في غير ما وضعت له، إلا أن قرينة السياق قد دلت على المعنى المراد دون حاجة إلى اللجوء إلى علاقات المجاز العقلية، فكأن السياق: مرجح خارجي رجح أحد المعنيين، فصيره حقيقة في هذا الموضع بعينه.
وقوله تعالى: (وحرم ذلك على المؤمنين):
يفيد تحريم تزوج العفيف بالزانية، وتزويج العفيفة بالزاني.
وذكر ابن كثير، رحمه الله، عدة أخبار في هذا الباب منها:
ما رواه أحمد، رحمه الله، عن: عارم، حدثنا مُعْتَمِر بن سليمان قال: قال أبي: حدثنا الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عَمْرو، رضي الله عنهما، أن رجلا من المسلمين استأذنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها: "أم مهزول" كانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه – قال: فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو: ذكر له أمرها – قال: فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ".
وذكر أحاديث تذم الديوث الذي يقر في أهله الخبث، فلا يغار عليهم، ونكاح البغايا مظنة ذلك، فمن ذلك:
ما رواه أحمد، رحمه الله، عن: يعقوب، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أخيه عمر بن محمد، عن عبد الله بن يسار - مولى ابن عمر - قال: أشهد لسمعت سالما يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث. وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومُدْمِن الخمر، والمنَّان بما أعطى". اهـ
وما رواه، أيضا، عن: يعقوب، حدثنا أبي، حدثنا الوليد بن كثير، عن قَطَن بن وهب، عن عُوَيْمر بن الأجدع، عمن حدثه، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والدَّيُّوث الذي يقر في أهله الخبث". اهـ
وفي الحديث: تفصيل بذكر الأصناف الثلاثة بعد الإجمال في قوله: "ثلاثة حرم الله عليهم الجنة"، وهو ما يعرف في علم البلاغة بـ: "التوشيح"، وفائدته: تشويق المخاطب إلى بيان المجمل، فيرد اللفظ على سمعه مجملا، فيشتاق إلى معرفة تفصيله، فيحصل له ذلك بالبيان التالي.
بتصرف من "جواهر البلاغة"، ص188.
وقد فسرت هذه الرواية معنى "الديوث" الذي ورد في الرواية الأولى مجملا، فحصل البيان من طريق آخر، وهذا من فوائد جمع طرق الحديث، إذ يستفيد الناظر فيها زوائد في السند، كتعيين مبهم أو تقييد مهمل، وزوائد في المتن كبيان معنى لفظ، كما في هاتين الروايتين.
ومما ذكره ابن كثير، رحمه الله، أيضا، حديث أبي داود الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة، حدثني رجل - من آل سهل بن حُنَيْف - عن محمد بن عَمَّار، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة دَيُّوث".
ثم عقب بقوله:
"يستشهد به لما قبله من الأحاديث". اهـ
وهذا مشعر بضعف هذا الحديث إذ أورده متابعة لا أصلا في الباب، وهو بذلك يحاكي صنيع المتقدمين من أئمة الحديث الذين يصدرون أبواب كتبهم بأقوى ما جاء فيها ثم يتبعونها بروايات أدنى مرتبة من جهة الدراية، ولا يلزم من ذلك أنها ضعيفة، استشهادا، لا احتجاجا، وهذا أمر بارز في صنيع مسلم، رحمه الله، في كتابه، ومن عباراتهم الشهيرة في هذه المسألة: "يغتفر في الشواهد والمتابعات ما لا يغتفر في الأصول"، وإليها أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله:
"ويُغتفر في باب "الشواهد والمتابعات" من الرواية عن الضعيف القريب الضعف -: ما لا يُغتفر في الأصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك. ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: "يصلح للاعتبار"، أو "لا يصلح أن يعتبر به". والله أعلم". اهـ
"الباعث الحثيث"، ص83.
¥