تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما سبق من الأحاديث ذهب الإمام أحمد، رحمه الله، إلى تحريم تزوج العفيف بالزانية حتى تتوب، وتزويج العفيفة بالزاني حتى يتوب توبة صحيحة، وهذا قول ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم رحمهم الله.

بينما ذهب الجمهور إلى كراهية ذلك، وإلى سبب الاختلاف أشار ابن رشد، رحمه الله، بقوله:

"وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين) هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ وهو الإشارة في قوله: (وحرم ذلك على المؤمنين) إلى الزنا أو إلى النكاح؟ وإنما صار الجمهور لحمل الآية على الذم لا على التحريم لما جاء في الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زوجته أنها لا ترد يد لامس، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: طلقها، فقال له إني أحبها، فقال له: فأمسكها". اهـ

وهذا الحديث مما اختلف الأئمة في تصحيحه وتضعيفه، فقد رواه أبو عبد الرحمن النسائي، رحمه الله، في "سننه" في موضعين:

الموضع الأول في كتاب "النكاح" في باب "تزويج الزانية": من طريق: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ يَرْفَعُهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَارُونُ لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي امْرَأَةً هِيَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ قَالَ طَلِّقْهَا قَالَ لَا أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ اسْتَمْتِعْ بِهَا".

ثم عقب بقوله: قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ، أي النسائي رحمه الله، هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهَارُونُ بْنُ رِئَابٍ أَثْبَتُ مِنْهُ وَقَدْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ وَهَارُونُ ثِقَةٌ وَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ. اهـ

فقد تعارضت رواية: عبد الكريم بن أبي المخارق المتصلة، وهو ضعيف، كما ذكر الحافظ، رحمه الله، في "التقريب"، مع رواية هارون بن رئاب المرسلة، وهو ثقة، فآلت الصورة إلى: تعارض الإرسال مع الاتصال، وتعارض رواية الثقة مع الضعيف، فتكون رواية عبد الكريم، وإن كان فيها زيادة اتصال: "منكرة بقيد المخالفة"، لأنه ضعيف خالف حديثه حديث الثقة، وهذا أحد قسمي المنكر عند أهل الاصطلاح، فلو روى الحديث متصلا دون أن يعارضه ثقة، لما قبل منه لضعفه، ولكان حديثه: "منكرا بقيد التفرد"، فكيف وقد عورضت روايته برواية من هو أوثق منه، فلا يلتفت إلى زيادته، ويكون الصواب: هو الإرسال، بغض النظر عن كون الإرسال قادحا في صحة الحديث عند جمهور أهل العلم باستثناء من احتج به كالأحناف والمالكية رحمهم الله، فالبحث الآن في: تحديد الرواية الصحيحة من جهة الإسناد، لا الصحة الاصطلاحية التي توجب العمل بالحديث.

فتبين أن الصحيح هو: الإرسال، كما نص على ذلك النسائي، رحمه الله، في الموضع الثاني الذي روى فيه الحديث من طريق: إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَنْبَأَنَا هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ تَحْتِي امْرَأَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ قَالَ طَلِّقْهَا قَالَ إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ فَأَمْسِكْهَا.

ثم عقب بقوله:

"قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ". اهـ

وقد عهد من صنيع المحدثين أنهم يخرجون بعض الروايات للتنبيه على ضعفها، لا للاحتجاج بها، وفي معلقات البخاري، رحمه الله، شيء من ذلك، كـ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير