تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24]، فهذا اللفظ قد فهم منه أن المراد به أن الكفار على غير هدى، وأن الله تعالى ورسوله على الهدى ففهم من هذا التعريض ما يفهم من صريحه، (وهو أسلوب استدراج للمخاطب، ليقر على نفسه بالحق، فليست "أو" هنا للتشكيك، وإنما هي على سَننِ الإنصاف المُسكتِ للخَصمِ الألدِّ). وقد حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما قال يهجو الزبرقان رضي الله عنه:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ******* واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون.

ولما سمع قول النجاشي:

قبيلته لا يغدرون بذمة ******* ولا يظلمون الناس حبة خردل

قال: ليت الخطاب كذلك، وإنما أراد الشاعر ضعف القبيلة ومثله كثير". اهـ

بتصرف يسير من: "الجامع لأحكام القرآن(12/ 143، 144)، و: تفسير أبي السعود لقوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).

فقد أخرج الذم في صورة المدح، فالوفاء بالذمة مما يمدح فاعله، ولكن لما كان ذلك منهم ضعفا وعجزا عن ظلم غيرهم صار ذما، لأن عدم الظلم إنما يكون كمالا في حق من يقدر عليه، ولكنه لا يقترفه تورعا، بخلاف العاجز، فقد يكون المانع من ظلمه: العجز، فإذا قدر ظلم وافترى كما هو حال كثير من الناس.

وسبب الخلاف في هذه المسألة:

أن مالكا، رحمه الله، عمل بـ: "سد الذرائع"، وهو أصل مطرد عنده، فقال بحد من قذف كناية، لئلا تتخذ ذريعة إلى القذف، فيتجرأ الناس على التعريض بالمحصنات، فإذا ما استفهموا عن مرادهم تنصلوا من إرادة القذف.

وأما من منع الحد بالقذف كناية، فقد عمل بأصل: "درء الحدود بالشبهات"، فالكناية ليست نصا صريحا في القذف، فيحتمل أنه ما أراد القذف، فيكون هذا الاحتمال، ولو كان ضعيفا، شبهة يدرأ بها الحد.

بتصرف من "الوجيز في أصول الفقه"، ص337.

وقد ذكر الله، عز وجل، في هذه الآيات حد القذف، فالقاذف إن لم يأت بأربعة شهداء ذكور عدول، جلد حد القذف: ثمانين جلدة، وحكم ببطلان شهادته وفسقه إلا أن يتوب، فيزول حكم الفسق عنه، بمفهوم الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، لأن التوبة تجب ما قبلها، فتزول علة الحكم بفسقه، و: "الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما"، كما قرر الأصوليون، فمتى وجد سبب الفسق، حكم به، ومتى زال: زال الحكم تبعا له، ولا خلاف بين الجمهور في زوال وصف الفسق بالتوبة، وإنما وقع الخلاف في قبول شهادته بعد التوبة:

فمن ذهب إلى أن الاستثناء بعد عدة جمل متعاطفة، يعود عليها جميعا، قبل شهادته، وإن حكم بجلده، فالتوبة لا ترفع الحد بعد ثبوته، على الراجح من أقوال أهل العلم.

ومن قال بأن الاستثناء لا يعود إلا على الجملة الأخيرة: رد شهادته، وإن زال حكم الفسق عنه، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.

وقد أشار القرطبي، رحمه الله، إلى سبب هذا الخلاف فقال:

"وسبب الخلاف في هذا الأصل سببان:

أحدهما: هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف الذي فيها، أو لكل جملة حكم نفسها في الاستقلال وحرف العطف محسن لا مشرك، وهو الصحيح في عطف الجمل، لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض، على ما يعرف من النحو. (وإن منع البيانيون عطف الجمل المختلفة: خبرا وإنشاء، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، بقوله: "منعه، (أي: عطف الخبر على الإنشاء، وبالعكس) البيانيون، وابن مالك في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل، وابن عصفور في شرح الإيضاح، ونقله عن الأكثرين". اهـ، "مغني اللبيب"، (2/ 142)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير