تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثبوت الحد في حق القاذف وإن تاب، إلا خلافا يسيرا حكاه القرطبي عن الشعبي، رحمه الله، فقال: "ويروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق، لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء، وقد قال الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82] الآية". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 148)، وتصديره القول بصيغة التمريض: "ويروى" مشعر بضعف النقل.

وزوال حكم الفسق عنه إن تاب.

وإنما وقع الخلاف في: قبول شهادته على التفصيل السابق، ورأي الجمهور أرجح، كما تقدم، والله أعلم.

واختلف العلماء في صورة توبة القاذف:

"فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه والشعبي وغيره، أن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه. وهكذا فعل عمر، فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب الشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا، وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان لا يقبل شهادته. وحكى هذا القول النحاس عن أهل المدينة.

وقالت فرقة - منها مالك رحمه الله تعالى وغيره -: توبته أن يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله، وهو قول ابن جرير الطبري رحمه الله". اهـ

بتصرف يسير من "الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 148).

وينبغي التنبيه في هذا الموضع إلى الفرق بين: شهادة المجلود وروايته:

فالمجلود إن كان قاذفا: فشهادته وروايته مردودتان لسقوط عدالته بالفسق، فإذا تاب، فإن شهادته تقبل عند الجمهور، على التفصيل السابق، وروايته تقبل عند الجميع، لرجوع وصف العدالة إليه بالتوبة، والكافر إذا أسلم قبلت روايته، فمن باب أولى تقبل رواية الفاسق إذا تاب.

وأما إن كان مجلودا لعدم اكتمال نصاب الشهادة: كما في واقعة أبي بكرة، رضي الله عنه، لما شهد هو واثنان معه، على المغيرة، رضي الله عنه، أنه زنى بامرأة لما انكشف الستر عنهما، فروايته لا ترد، وإن ردت شهادته إن لم يكذب نفسه على مذهب عمر رضي الله عنه، لأن عدالته باقية لم تزل، فالحد إنما وجب عليه من جهة عدم اكتمال نصاب الشهادة لا من جهة كونه قاذفا فاسقا ساقط العدالة، وفي هذا رد على من رد حديث أبي بكرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ) والحديث عند أحمد رحمه الله في مسنده، من أهل الأهواء المعاصرين، محتجا بواقعة جلد أبي بكرة رضي الله عنه.

على أن المغيرة، رضي الله عنه، لم يقع منه ما يستوجب حد الزنا، وإنما كانت المرأة التي خالطها زوجته، وإنما وقعت الشبهة لأبي بكرة، رضي الله عنه، من جهة أنها كانت تشبه امرأة كانت تدخل على المغيرة، رضي الله عنه، قصر الإمارة طلبا لقضاء بعض حوائجها، والله أعلى وأعلم.بتصرف من "مذكرة في أصول الفقه"، ص152.

وعموم هذه الآية مخصوص بمن: سب أمهات المؤمنين: زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا تقبل توبته أبدا، لدخوله في عموم قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فهذه الآية في عائشة، رضي الله عنها، خاصة، وقد ألحقت بها بقية أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن، بجامع كونهن فراش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن طعن في عرضهن، فقد طعن في عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والطاعن في عرضه الشريف، كافر بالإجماع، وحكمه: القتل، وإن تاب، فيقتل ردة إن لم يتب، ويقتل حدا إن تاب، كما قرر ذلك أهل العلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير