تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمراد لغيره: قد لا يكون مقصودا لما يريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضاؤه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما. وهذا كالدواء الكريه، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل، إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة، إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفى عليه خافية، فهو سبحانه يكره الشيء، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سببا إلى أمر هو أحب إليه من فوته". اهـ

"شرح الطحاوية"، ص229.

ففي حادثة الإفك ما هو مفسدة باعتبار الخلق: وأي مفسدة أعظم من الطعن في عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟، ولكن لما كانت هذه المفسدة مغمورة في مصالح: تبرئة أم المؤمنين، رضي الله عنها، وإظهار شرفها، ورفع درجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصبره على أذى المنافقين .......... إلخ، أرادها الله، عز وجل، كونا فكانت: من المراد لغيره على التفصيل الذي ذكره ابن أبي العز رحمه الله.

قوله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ):

"لولا": حرف امتناع لوجود، كما في قولك: لولا زيد لأكرمتك، فامتنع الإكرام لوجود زيد، فإن دخلت على الفعل، كما في هذه الآية: أفادت: الحض على الفعل، فالمعنى: هلا إذ سمعتم هذا الكلام قستموه على أنفسكم، فإن كان لا يليق بكم، بل لا يليق بآحاد المؤمنين من بعدكم، فأم المؤمنين، رضي الله عنها، أولى بالبراءة منكم، وأنتم أولى بالتهمة منها، وإن كنتم جميعا براء، فاستعمل: "قياس الأولى" في تبرئة أم المؤمنين، رضي الله عنها، وهو حجة عقلية ملزمة، وردت في عدة مواضع من القرآن، لاسيما في جدال المنكرين للبعث والنشور، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)، فمن خلق أولا، قادر على الإعادة ثانيا، من باب أولى، فالإعادة أهون من ابتداء الخلق، وكلاهما هين، عليه، عز وجل، فلا شيء يعجزه في الأرض ولا في السماء.

ووردت، أيضا، في إثبات صفات الكمال للباري، عز وجل، فقياس الأولى هو القياس الوحيد الجائز في مسائل الاعتقاد الخبرية، فكل كمال مطلق لا نقص فيه ثبت للمخلوق، فالخالق، عز وجل، أولى به، بشرط النص عليه قرآنا أو سنة، وفي التنزيل: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

وقوله تعالى: (بِأَنْفُسِهِمْ):

أي: بإخوانهم، قاله النحاس، رحمه الله، كما أشار إلى ذلك القرطبي، رحمه الله، في "الجامع لأحكام القرآن(12/ 165)، فيكون في السياق مزيد عناية بالمؤمنين، إذ نزلهم منزلة الأنفس، فكما يكره الإنسان أن يخوض غيره في عرضه، أو يظن به سوءا، فعليه أن يكره ذلك، أيضا، من نفسه، في حق أخيه مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).

قوله تعالى: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ):

حض آخر، فهلا جاءوا على ما قالوه بأربعة شهداء، فإذ لم يأتوا بهم فأولئك هم الكاذبون، فأكد الحكم بـ:

تعريف الجزأين: "أولئك" و "الكاذبون".

و: ضمير الفصل: "هو"، إمعانا في ذمهم على ما رموا به أم المؤمنين رضي الله عنها.

وضمير الفصل في مثل هذه المواضع يفيد:

تمييز الخبر من النعت: فبدونه تحتمل لفظة: "الكاذبون": كونها: نعتا أو خبرا، فلما جيء بضمير الفصل صار ما بعده خبرا قولا واحدا.

والتوكيد: كما تقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير