والاختصاص: فكأن هذا الوصف القبيح قد اختص بهم، لعظم جرمهم، وإن وُجِدَ كاذبون غيرهم، فيكون من باب الحصر الإضافي في نحو: زيد الرجل، فلا ينفي ذلك رجولة غيره، ولكنه يخصه بأعلى سماتها.
وفي "مغني اللبيب":
"وذكر الزمخشري الثلاثة في تفسير: (وأولئك همُ المُفلحون) فقال:
فائدته الدلالة على أن الواردَ بعده خبر لا صفة، والتوكيد، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره". اهـ
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2008, 01:10 ص]ـ
ومع:
قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ):
"لولا" هنا على أصلها: حرف امتناع لوجود، فامتنع العذاب العظيم لوجود الفضل من الله، عز وجل، والرحمة في الدنيا والآخرة، وهذا إنما يثبت في حق من خاض في هذا الأمر من المؤمنين كحسان ومسطح وحمنة، رضي الله عنهم، فالوعيد في حق المؤمنين مطلق، لا يجب نفاذه، خلافا للمعتزلة الذين قالوا بوجوب نفاذ الوعد والوعيد، فقاسوا أفعال الخالق، عز وجل، على أفعال المخلوقين، فهم: "مشبهة الأفعال" كما سماهم بعض أهل العلم كشيخ الإسلام، رحمه الله، والله، عز وجل، كريم يجوز في حقه إخلاف الوعيد فضلا منه ومنة، فيكون العبد مستحقا للوعيد، باقتراف معصية أو كبيرة، فيقابل ذلك ما يعادله أو يرجح عليه من مكفرات الذنوب كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة ........ إلخ، وقد جمعها ابن أبي العز، رحمه الله، في أحد عشر سببا، فقال ما ملخصه:
"وأيضا: فإنه قد يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، فإن فاعل السيئات يسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب، عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة:
السبب الأول: التوبة.
السبب الثاني: الاستغفار، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
السبب الثالث: الحسنات. فإن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، فالويل لمن غلبت آحاده عشراته. وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
السبب الرابع: المصائب الدنيوية، قال صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه».
السبب الخامس: عذاب القبر.
السبب السادس: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات.
السبب السابع: ما يهدى إليه بعد الموت، من ثواب صدقة أو قراءة أو حج، ونحو ذلك.
السبب الثامن: أهوال يوم القيامة وشدائده.
السبب التاسع: ما ثبت في الصحيحين: أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
السبب العاشر: شفاعة الشافعين.
السبب الحادي عشر: عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة، كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
بتصرف من "شرح الطحاوية"، ص 307_311.
فقد يتجاوز الله، عز وجل، عن الذنب، بغير شفاعة، فيتخلف الوعيد مع انعقاد السبب الموجب، فلا أحد يوجب على الله، عز وجل، شيئا، وإنما هو الذي يكتب على نفسه ما شاء، مصداق قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، وقد أخبر عن نفسه، جل وعلا، أنه لا يخلف الميعاد، فعلمنا وجوب نفاذ وعده، وجواز إخلاف وعيده، وهذه صفة الكريم، كما قال الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ******* لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فإذا كان هذا كمالا يمدح به المخلوق، فالله، عز وجل، أحق وأولى به، فهو أكرم الأكرمين، فآل الأمر إلى: "قياس الأولى" الذي سبقت الإشارة إليه.
¥