تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي خوض من خاض من المؤمنين في هذا الأمر دليل على أن الصحابة، رضي الله عنهم، يجوز في حقهم ارتكاب المعاصي، لانتفاء العصمة عن آحادهم، وإن ثبتت لمجموعهم، فلا يخرج الحق عن أقوالهم، سواء أكان: خبراً أم إنشاءً، وطريقة أهل السنة في هذه المسألة هي: الإعراض عن ذكر ما شجر بينهم، فهو مغمور في بحار حسناتهم، فلهم من السبق والمنزلة، ما يغفر زلاتهم، وما ذكر عنهم لا يخلو إما أن يكون:

كذبا: كغالب أخبار الفتن التي وقعت بينهم.

أو: مما كانوا فيه معذورين باجتهاد أو تأويل.

أو: مما كان صدقا، فعارضه من الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ........ إلخ، ما يمنع نفاذ الوعيد في حقهم، فهم أولى بأسباب المغفرة ممن جاء بعدهم.

على أن القرطبي، رحمه الله، قد أشار إلى تبرئة أم المؤمنين، رضي الله عنها، حسان، رضي الله عنه، فقال:

"قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} .......... روي عن عائشة أنه حسان، وأنها قالت حين عمي: لعل العذاب العظيم الذي أوعده الله به ذهاب بصره، رواه عنها مسروق. وروي عنها أنه عبد الله بن أبي، وهو الصحيح، وقال ابن عباس. وحكى أبو عمر بن عبد البر أن عائشة برأت حسان من الفرية، وقالت: إنه لم يقل شيئا. وقد أنكر حسان أن يكون قال شيئا من ذلك في قوله:

حصان رزان ما تزن بريبة ******* وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

وذكر أبياتا ..............

ثم قال:

وقد روي أنه لما أنشدها: حصان رزان، قالت له: لست كذلك، تريد أنك وقعت في الغوافل. وهذا تعارض، ويمكن الجمع بأن يقال: إن حسانا لم يقل ذلك نصا وتصريحا، ويكون عرض بذلك وأومأ إليه فنسب ذلك إليه، والله أعلم". اهـ

بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 165).

فائدة:

في بيت حسان رضي الله عنه استعارتان:

في: "غرثى"، إذ شبه إعراضها عن الخوض في أعراض الناس بالجوع، وحذف المشبه: "الإعراض"، واستعار له اسم الفاعل المشتق: "غرثى".

وفي: "لحوم الغوافل"، إذ شبه الأعراض باللحوم، وحذف المشبه، وأتى بالمشبه به صراحة، وقد وقعت الاستعارة في الاسم الجامد: "لحوم" فكانت أصلية من هذا الوجه.

وتجدر الإشارة إلى بطلان القول بأن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هو الذي تولى كبر هذا الأمر، حاشاه، رضي الله عنه، أن يخوض في عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

يقول القرطبي رحمه الله:

"وأخرج البخاري من حديث معمر عن الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليا كان فيمن قذف؟ قال: قلت لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت لهما: كان عليٌّ مُسَلًّما في شأنها. وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري، وفيه: قال كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولى كبره منهم علي بن أبي طالب؟ فقلت: لا، حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كلهم يقول، (فجمع شيوخه دون أن يميز رواية بعضهم من بعض ولا ضير في ذلك طالما كانوا ثقات كلهم بخلاف ما لو كان في بعضهم ضعف)، سمعت عائشة تقول: والذي تولى كبره عبد الله بن أبي. وأخرج البخاري أيضا من حديث الزهري عن عروة عن عائشة: والذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي". اهـ

بتصرف من "الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 163).

وقريبا منه، في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة الزهري رحمه الله:

"يعقوب السدوسي: حدثني الحلواني، حدثنا الشافعي، حدثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، (وكان فيه انحراف عن آل البيت رضي الله عنهم)، فقال: يا سليمان: من الذي تولى كبره منهم؟ قال: عبد الله بن أبي ابن سلول، قال: كذبت، هو علي، فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: هو عبد الله بن أبي، قال: كذبت هو علي، فقال: أنا أكذب لا أبا لك، فوالله لو نادى مناد من السماء، إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي". اهـ

بتصرف من "سير أعلام النبلاء"، (5/ 339).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير