وفرية قتال عائشة، رضي الله عنها، علياً، رضي الله عنه، فرية شهيرة على الألسن تجدها على ألسن كثير من المسلمين عندنا في مصر، سواء أكانوا متعلمين ممن ينتمون إلى ما اصطلح على تسميته: "طبقة المثقفين"، أم غير متعلمين وقد صارت عند كثيرٍ: من المُسَلَمَات التي لا تقبل النقاش مع كونها كذبا محضا لا إسناد له أصلا!!!!.
*****
قوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ):
يقول ابن كثير رحمه الله: "قال مجاهد، وسعيد بن جبير: أي: يرويه بعضكم عن بعض، يقول هذا: سمعته من فلان، وقال فلان كذا، وذكر بعضهم كذا.
وقرأ آخرون: "إِذْ تَلقُونَه بِأَلْسِنَتِكُمْ". وفي صحيح البخاري عن عائشة: أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول: هو مِنْ وَلَق القول. يعني: الكذب الذي يستمر صاحبه عليه، تقول العرب: وَلَق فلان في السير: إذا استمر فيه، والقراءة الأولى أشهر، وعليها الجمهور، ولكن الثانية مَرْويَّة عن أم المؤمنين عائشة".
قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبو سعيد الأشَجّ، حدثنا أبو أسامة، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أنها كانت تقرأ: "إِذْ تَلقُونَه" وتقول: إنما هو وَلَق القول – والوَلَق: الكذب. قال ابن أبي مليكة: هي أعلم به من غيرها". اهـ
فتكون قراءتها: قراءة آحاد تنزل منزلة خبر الآحاد من جهة الاحتجاج بها في اللغة والأحكام وإن لم تثبت قرآنا، لتخلف شرط التواتر.
وقوله تعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ)، أي: بألسنتكم، فهو مجاز مرسل مفرد عند من يقول بالمجاز علاقته: "المحلية"، فأطلق المحل: "الفم"، وأراد الحال فيه: "اللسان"، كما في:
قوله تعالى: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ)، أي: أهل ناديه، فأطلق محل اجتماعهم وأراد الحال فيه.
وقوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، أي: أهل القرية، فأطلق محل سكنهم وأراد الحال فيه.
بتصرف من "جواهر البلاغة"، ص244.
فيكون في ذكر الأفواه مزيد إنكار على من خاض في هذا الأمر من جهة تكلفه ما ليس له، حتى أعمل فمه بأكمله في الأمر، فلم يكتف بلسانه، فمعنى المبالغة والتوكيد مقصود إنكارا على الفاعل، وأما من ينكر المجاز فإنه يقول: المعنى المقصود حاصل بلا تكلف ادعاء وقوع المجاز، فالسياق قد دل على أن في المبالغة معنى الإنكار، والقرينة الحسية تؤيد ذلك، فالكلام لا يكون إلا باللسان.
ومثله:
قوله تعالى: (أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ)، فالأكل لا يكون إلا في البطون، ولكنه ذكرها توكيدا ورفعا للمجاز عند من يقول به، وإليه أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"قوله تعالى: "في بطونهم" ذكر البطون دلالة وتأكيدا على حقيقة الأكل، إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضى ونحوه، وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 209).
ومثله:
قوله تعالى: (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ)، و"السقف": لا يكون إلا فوق، ولكنه ذكر جهته توكيدا.
وقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، و"النكاح" لا يكون إلا للنساء، ولكنه ذكره توكيدا، فتحرم زوجة الأب على الابن سواء أدخل بها أم لم يدخل.
وقولك: رأيته بعيني وسمعته بأذني وتناولته بيدي ومشيت إليه بقدمي ............. إلخ.
*****
قوله تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ):
حض آخر على ترك الإنسان ما لا يعنيه، فلا يتكلف قولا لا دليل عليه، وإن خطر بباله ما لا ينبغي، فلا يحدث به.
¥