وقوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، فبين إجمال "سقر" بذكر بعض أوصافها.
وقوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)، فبين إجمال العقبة بذكر بعض أسباب اقتحامها.
وربما حصل البيان في السنة:
كما في تبيين أحاديث الصلاة والزكاة لمجمل قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، فبينت السنة: عدد ركعات الصلاة وأوقاتها وشروطها وواجباتها وسننها ....... إلخ، وبينت شروط الزكاة، وأصنافها، وأنصبتها، ومقاديرها ......... إلخ.
وربما كان الإجمال في السنة، فبينته السنة: في نفس الموضع، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والدَّيُّوث الذي يقر في أهله الخبث". اهـ
ففي الحديث: تفصيل بذكر أصناف الثلاثة بعد الإجمال في قوله: "ثلاثة حرم الله عليهم الجنة"، وهو ما يعرف في علم البلاغة بـ: "التوشيح"، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وقد يحصل البيان في موضع آخر، كما في:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ)، فهو: مجمل من جهة النصاب والأصناف، مبين من جهة المقدار.
فبين إجمال نصابه بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ).
وبين إجمال أصنافه بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر).
وقد يكون الإجمال في السنة والبيان في القرآن، كما في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: (مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ)، فهو عام مجمل، خص باستثناء الأصواف والأوبار والأشعار، في قوله تعالى: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)، مع كونها مما يقطع من البهيمة وهي حية ومع ذلك جاز استعماله، لأن حياته نباتية لا حيوانية كحياة اللحم والعظم والعصب على تفصيل ليس هذا موضعه.
*****
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ):
فعذاب الدنيا هو: الحد، فيكون عذابا مخصوصا قدره الشارع، عز وجل، وعذاب الآخرة هو: النار، كما ذكر ابن كثير، رحمه الله، وقد يقال بأن العذاب في الدنيا عام، لاسيما إذا عطلت الحدود، فيكون المعنى: لهم عذاب أليم بما يقدره الله، عز وجل، عليهم من العقوبات في الدنيا قبل الآخرة، والآية عامة في حق كل من سعى أو رضي بشيوع الفواحش والمنكرات في الذين آمنوا، فيدخل فيها: كل ديوث أو داعر ماجن، لا يقيم لشريعة الرحمن وزنا، والأصل في نصوص الشارع، عز وجل: عموم اللفظ لا خصوص السبب.
*****
قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ):
أي: ولولا ذلك لكان أمر آخر، من المؤاخذة بالذنب، فجواب "لولا" محذوف لدلالة السياق عليه، وهذا أمر مطرد في الكتاب المنزل، وهو أحد أوجه إعجازه، فهو معجز بلفظه، وأحد أوجه إعجاز لفظه: إيجاز عبارته مع حصول المعنى المراد في الأذهان.
*****
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ):
¥