تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ألهاني عنه الصَّفْق بالأسواق". اهـ

وقد استدل بعض أهل الأهواء بهذا الحديث على عدم جواز العمل بخبر الواحد، لأن عمر، رضي الله عنه، لم يقبل خبر أبي موسى بمفرده حتى أتى بشاهد يشهد له، والجواب على ذلك:

أن شهادة أبي سعيد لأبي موسى، رضي الله عنهما، لم تعل بها مرتبة الحديث من: الآحاد إلى المتواتر، فرواية الاثنين من: "العزيز"، و العزيز من أقسام الآحاد، كما قرر علماء المصطلح، فسقط استدلالهم، لأن دليلهم شاهد على ضد دعواهم من عدم العمل بخبر الآحاد.

وأيضا: لم يرد عمر، رضي الله عنه، رواية أبي موسى، رضي الله عنه، لطعن فيه، فهو عنده عدل، وإنما أراد عمر، رضي الله عنه، أن يحتاط الناس في رواية الحديث، كما علم من سيرته، فإن الناس إذا علموا بما وقع لأبي موسى، رضي الله عنه، مع عظم منزلته، كان ذلك أدعى لغيره إلى الاحتياط، فيكون فعل عمر، رضي الله عنه، من باب التنبيه على الأدنى بالأعلى، فثبوت الاحتياط في حق من لم يصحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مع كونهم أدنى منزلة من أبي موسى، رضي الله عنه، أولى من ثبوته لمن صحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأبي موسى رضي الله عنه.

والاستئذان: حكم يتكرر سببه كثيرا، وقد كان عمر، رضي الله عنه، ملازما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أغلب أحواله، ومع ذلك لم يعلم بهذه السنة، فصادف خبر أبي موسى، رضي الله عنه، شكا في نفس عمر، فأراد أن يستوثق لاحتمال ورود الخطأ على أبي موسى، رضي الله عنه، لا أنه طعن في خبره ابتداء، فلو كان مما لا تعم به البلوى، لقبله دون طلب بينة عليه.

وقد علم أن من أنواع الخبر:

الخبر الابتدائي: الذي يصادف خالي الذهن فلا يحتاج إلى مؤكد أو بينة.

والخبر الطلبي: الذي يصادف شكا في نفس المستمع، فيحتاج إلى مؤكد أو بينة، تزيل الشك، وعلى هذا النوع يُنَزَلُ خبر أبي موسى رضي الله عنه.

وإلى ذلك أشار الحافظ، رحمه الله، في "الفتح" بقوله:

"وَتَعَلَّقَ بِقِصَّةِ عُمَر مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَل خَبَر الْوَاحِد، وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ خَبَر أَبِي سَعِيد الْمُطَابِق لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَا يَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه خَبَر وَاحِد، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ اِدَّعَى أَنَّ خَبَر الْعَدْل بِمُفْرَدِهِ لَا يُقْبَل حَتَّى يَنْضَمّ إِلَيْهِ غَيْره كَمَا فِي الشَّهَادَة، قَالَ اِبْن بَطَّال: وَهُوَ خَطَأ مِنْ قَائِله وَجَهْل بِمَذْهَبِ عُمَر، فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّ عُمَر قَالَ لِأَبِي مُوسَى " أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ لَا يَتَجَرَّأ النَّاس عَلَى الْحَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قُلْت: وَهَذِهِ الزِّيَادَة فِي الْمُوَطَّأ عَنْ رَبِيعَة عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ أَبَا مُوسَى. . . فَذَكَرَ الْقِصَّة وَفِي آخِره " فَقَالَ عُمَر لِأَبِي مُوسَى: أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ يَتَقَوَّل النَّاس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا آنِفًا " فَقَالَ عُمَر لِأَبِي مُوسَى وَاَللَّه إِنْ كُنْت لَأَمِينًا عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ أَسْتَثْبِت " وَنَحْوه فِي رِوَايَة أَبِي بُرْدَة حِين قَالَ أُبَيّ بْن كَعْب لِعُمَر " لَا تَكُنْ عَذَابًا عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سُبْحَان اللَّه، إِنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّت " قَالَ اِبْن بَطَّال: فَيُؤْخَذ مِنْهُ التَّثَبُّت فِي خَبَر الْوَاحِد لِمَا يَجُوز عَلَيْهِ مِنْ السَّهْو وَغَيْره، وَقَدْ قَبِلَ عُمَر خَبَر الْعَدْل الْوَاحِد بِمُفْرَدِهِ فِي تَوْرِيث الْمَرْأَة مِنْ دِيَة زَوْجهَا وَأَخْذ الْجِزْيَة مِنْ الْمَجُوس إِلَى غَيْر ذَلِكَ، لَكِنَّهُ كَانَ يَسْتَثْبِت إِذَا وَقَعَ لَهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ". اهـ

ومن فوائد هذا الحديث:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير