تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن الفاضل قد يخفى عليه ما لا يخفى على المفضول، فقد خفيت هذه السنة على عمر، رضي الله عنه، وعلمها أبو موسى، رضي الله عنه، مع كون عمر أفضل منه بالإجماع.

وإلى ذلك أشار الحافظ، رحمه الله، بقوله:

"وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِم الْمُتَبَحِّر قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْم مَا يَعْلَمهُ مَنْ هُوَ دُونه وَلَا يَقْدَح ذَلِكَ فِي وَصْفه بِالْعِلْمِ وَالتَّبَحُّر فِيهِ. قَالَ اِبْن بَطَّال: وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى عُمَر فَمَا ظَنّك بِمَنْ هُوَ دُونه". اهـ

ومن آداب الاستئذان ألا يستقبل المستأذن بوجهه تلقاء الباب، ولكن لينحرف يمينا أو يسارا، وإلى ذلك أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله:

"ثم ليُعْلمْ أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليَكن البابُ، عن يمينه أو يساره، لما رواه أبو داود: حدثنا مُؤَمَّل بن الفضل الحراني - في آخرين – قالوا: حدثنا بَقيَّة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن بُسْر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: "السلام عليكم، السلام عليكم". وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور. تَفَرد به أبو داود.

وقال أبو داود أيضًا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، (ح) قال أبو داود: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص، عن الأعمش، عن طلحة، عن هُزَيل قال: جاء رجل - قال عثمان، (أي: ابن أبي شيبة شيخ أبي داود في الطريق الأولى): سعد - فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن، فقام على الباب - قال عثمان: مستقبل الباب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا عنك – أو: هكذا - فإنما الاستئذان من النظر"". اهـ

فقوله: "فإنما الاستئذان من النظر": تنصيص على العلة، فعلة الاستئذان: النظر، و "من" في قوله: "من النظر": سببية، كقوله تعالى: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ)، أي: خاشعين بسبب ما يعلوهم من ذلة، فآل الكلام إلى: إنما جعل الاستئذان بسبب النظر.

وذكر ابن كثير، رحمه الله، في تفسير هذه الآية رواية:

ابن جرير: حدثنا ابن بَشَّار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} قال: إنما هي خطأ من الكاتب، "حَتَّى تَسْتَأذنُوا وَتُسَلِّمُوا".

وهكذا رواه هُشَيم، عن أبي بشر - وهو جعفر بن إياس – به. وروى معاذ بن سليمان، عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس، بمثله، وزاد: وكان ابن عباس يقرأ: "حَتَّى تَسْتَأذنُوا وَتُسَلِّمُوا"، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه.

ثم علق بقوله:

"وهذا غريب جدًّا عن ابن عباس". اهـ

وإليه أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:

"وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} خطأ أو وهم من الكاتب، إنما هو {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}. وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}، وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان، فهي التي لا يجوز خلافها. وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس، وقد قال عز وجل: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] " اهـ.

ومثله ما نُسب إلى عثمان، رضي الله عنه، من قوله: "إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها"!!!، وإلى عائشة، رضي الله عنها، من قولها في قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة)، و: (لكن الراسخون)، و: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)، و: (إن هذا لساحران): "يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب"!!!!.

وقد أجاب ابن تيمية، رحمه الله، عن الخبر الأول بقوله:

وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير