وهو تنصيص على علة ما تقدم، فكأن المراد: قل لهم يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، فتساءل المخاطبون عن علة ذلك بـ: "لماذا أو لِم أو ........ إلخ من الأدوات التي يستفهم بها عن علة الحكم"، فيكون الجواب: قوله تعالى: (ذلك أزكى لهم)، والله أعلم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ): أي خبير بالذي يصنعونه، فـ: "ما" موصولة اسمية، وصلتها: "يصنعون"، وعائد الصلة محذوف لدلالة السياق عليه، ويصح أن تكون موصولة حرفية، فيكون تقدير الكلام: إن الله خبير بصنعهم، و: "الخبير" هو العليم ببواطن الأمور فهو أخص من: "العليم"، فكل خبير عليم ولا عكس.
ومن المواضع التي يتأكد فيها الأمر بغض البصر:
نظرة الفجأة، كما في حديث جَرِيرٍ بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ اصْرِفْ بَصَرَكَ. اهـ
والحديث عند أبي داود، رحمه الله، في سننه.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"وفي رواية لبعضهم: فقال: "أطرقْ بصرك"، يعني: انظر إلى الأرض. والصرف أعم، فإنه قد يكون إلى الأرض، وإلى جهة أخرى، والله أعلم". اهـ
فتكون رواية الإطراق من باب: ذكر بعض أفراد العام، وهو: صرف البصر، وذكر بعض أفراد العام على سبيل التمثيل لا يخصصه، فالناظر مأمور بصرف بصره مطلقا، سواء أكان إلى الأرض، أم إلى يمينه، أم إلى شماله ........... إلخ.
وأما الزوجة فإنه يحل له النظر إلى ما شاء منها، فلا عورة بين الزوجين، وكذا يحل له النظر إلى مواضع الزينة من محارمه، كالعنق والساعدين والقدمين، وكذا ما يظهر أثناء المهنة كأطراف الساقين، كما سيأتي إن شاء الله.
ومع ذلك لا تخلو إدامة النظر إليهن من مفاسد. يقول القرطبي رحمه الله:
"ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا!!!!! هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها". اهـ
والشعبي، رحمه الله، يكره النظر إلى ذوات المحارم سدا لذريعة الافتتان بهن، وهو من القرون المفضلة، بل من رجال المائة الهجرية الأولى، والقرطبي، رحمه الله، يشكو فساد الأحوال في زمانه، وهو من رجال المائة الهجرية السابعة، فكيف بزماننا؟!!!، وقد فشا زنا المحارم في كثير من الأمم، بل وسطر في الكتب التي يزعم أصحابها أنها مقدسة وكلام الشيخ أحمد ديدات، رحمه الله، في مناظراته مع أهل التثليث والتحريف خير شاهد على ذلك فهو كلام من استقرأ بضاعتهم فميز غثها من سمينها، وقد امتد أثر ذلك إلى المجتمعات الإسلامية لاسيما مع ازدهار صناعة الإعلام الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
وأما النظر إلى الأمرد، فقد شدد أهل العلم في أمره، فنهوا الرجل أن يحد النظر إليه، لما فيه من الافتتان بصورته، و "عشق الصور" هو: داء قوم لوط، الذي أوقعهم فيما وقعوا فيه من الرذيلة، فزين لهم الشيطان الصور المحرمة، حتى تمكن العشق المحرم من قلوبهم، ففسدت وفسدت فطرتهم تبعا لها، فالقلوب: ملوك، والجوارح: جند، ولا صلاح للجند إذا فسدت الملوك، وقد توسع ابن القيم، رحمه الله، في "الداء والدواء" في بيان هذا الداء العضال.
فالنهي عن النظر إليه، أيضا، من باب سد ذريعة الافتتان بصورته.
وأما النظر إلى القواعد من النساء اللاتي لا تخشى الفتنة بالنظر إليهن، فقد أجازه بعض أهل العلم، كما أجازوا إلقاء السلام ورده عليها، لأمن الفتنة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فلما انتفت علة التحريم وهي: الفتنة، انتفى الحكم، فإذا كانت كبيرة تشتهى حرم النظر والسلام، وإن كانت كبيرة لا يشتهيها الصغير ويشتهيها الكبير مثلها، أبيح النظر والسلام للأول وحَرُمَ على الثاني، والله أعلم.
¥