فيه أمر بالتوبة ليحصل الفلاح بها، فـ: "لعل": للتعليل، فعلة الفلاح: التوبة، يقول النووي، رحمه الله، في "شرح مسلم": "وَالْفَلَاح الْفَوْز وَالنَّجَاة وَإِصَابَة الْخَيْر. قَالُوا: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كَلِمَة أَجْمَع لِلْخَيْرِ مِنْ لَفْظَة (الْفَلَاح)، وَيَقْرُب مِنْهَا النَّصِيحَة .......................... وَالْفَلَاح وَالْفَلَح تُطْلِقهُمَا الْعَرَب أَيْضًا عَلَى الْبَقَاء". اهـ بتصرف.
يقول أبو السعود رحمه الله: " {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً} تلوينٌ للخطابِ وصرفٌ له عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى الكُلِّ بطريق التَّغليبِ لإبراز كمال العنايةِ بما في حيِّزه من أمرِ التوبةِ وأنَّها من معظمات المهمَّاتِ الحقيقيَّةِ بأنْ يكونَ سبحانَهُ وتعالى هو الآمرَ بها لما أنَّه لا يكادُ يخلُو أحدٌ من المكلَّفين عن نوعِ تفريطٍ في إقامة مقتضى التَّكاليفِ كما ينبغي". اهـ بتصرف يسير.
فالخطاب في أول الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه، عز وجل، وفي آخرها موجه إلى عموم المؤمنين، وهذا هو التلوين الذي قصده أبو السعود رحمه الله.
ومنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)، فخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخطاب ثم عم المؤمنين بقوله: (إِذَا طَلَّقْتُمُ).
وقوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ)، فخص بقوله عز وجل: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ)، ثم عم بقوله عز وجل: (َولَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)، ثم خص مرة أخرى بقوله عز وجل: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ).
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 10 - 2008, 08:29 ص]ـ
قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ):
أمر بالتزويج، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه، فيكون الأمر على أصله، واحتجوا بظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الزواج يدور على الأحكام الشرعية الخمسة:
فيكون واجبا: إذا تاقت نفسه إليه وقدر عليه وخشي الوقوع في الحرام.
ويكون مستحبا: إذا تاقت نفسه إليه وقدر عليه، وأمن على نفسه الفتنة.
ويكون مباحا: إذا انتفت الدواعي والموانع.
ويكون مكروها: في حق من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق حيث لا يقع ضرر بالمرأة، بأن كانت غنية وليس لها رغبة قوية في الوطء، فإن انقطع بذلك عن شيء من الطاعات أو الاشتغال بطلب العلم اشتدت الكراهة، فيكون الأمر من باب تعارض المصالح: فتقدم مصلحة طلب العلم المتعدية على مصلحة النكاح القاصرة، وتقدم مصلحة الطاعة المستحبة على مصلحة النكاح المباحة.
ويكون محرما: إذا أخل بالزوجة في الوطء والإنفاق، أو عقد على خامسة، أو عقد على من لا تحل له ......... إلخ من صور النكاح المحرم.
بتصرف كبير من "فقه السنة"، (2/ 9_11).
وإلى تفصيل قريب مما سبق أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:
"اختلف العلماء في هذا الأمر على ثلاثة أقوال:
فقال علماؤنا: يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العنت، ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر وزوال خشية العنت عنه.
وإذا خاف الهلاك في الدين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حتم.
وإن لم يخش شيئا وكانت الحال مطلقة:
فقال الشافعي: النكاح مباح. وقال مالك وأبو حنيفة: هو مستحب. تعلق الشافعي بأنه قضاء لذة فكان مباحا كالأكل والشرب.
وتعلق علماؤنا بالحديث الصحيح: (من رغب عن سنتي فليس مني) ". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 201).
¥