الأولى: أن يطلبها العبد ويجيبه السيد: فهذا مطلق الآية وظاهرها.
الثانية: أن يطلبها العبد ويأباها السيد:
وفيها قولان:
الأول: لعكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينار والضحاك بن مزاحم وجماعة أهل الظاهر أن ذلك واجب على السيد.
وقال علماء الأمصار: لا يجب ذلك.
وتعلق من أوجبها بمطلق الأمر، والفعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، واختاره الطبري. واحتج داود أيضا بأن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة وهو مولاه فأبى أنس، فرفع عمر عليه الدرة، وتلا: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}، فكاتبه أنس. قال داود: وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله.
وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك، ولم يجبر عليه وإن ضوعف له في الثمن". اهـ
"الجامع لأحكام القرآن"، (12/ 206).
والراجح: أن المكاتبة مندوبة، لأن كسب العبد لسيده، فلا يجبر السيد على إخراج بعض ملكه من ذمته مقابل بعضٍ آخر، فالعبد المكاتب: ملك له، ومال العبد: ملك له أيضا، فكيف يجبر على بيع ماله بماله؟!. والله أعلم.
وفي وقت نرى فيه تجاوزات الغرب الصليبي في العراق بتعمد إذلال المسلمين، بهتك الأعراض، وهو أمر يجيد القوم استعماله بكفاءة، لعلمهم بقيمة العرض عند المسلمين، بخلاف أعراضهم التي صيرتها المدنية الحديثة كلأً مباحا لمن أراد رعيه، ومن قبله رأينا تجاوزاتهم في البلقان، في تسعينيات القرن الماضي، والإحصائيات الرسمية، تتحدث عن نحو ستين ألف امرأة تعرضت للاغتصاب في تلك الحرب الصليبية بعد أن أفتت الكنيسة الصربية الأرثوذكسية الحاقدة بحل انتهاك أعراض المسلمات من قبل الجنود الصرب الذين يتبعونها، فانطلق أولئك الهمج، في سياسة مدروسة، لاغتصاب حرائر المسلمات، نكاية في الموحدين من أبناء البوسنة، ونفس المشاهد تتكرر تقريبا، مع اختلاف حجم الكارثة في: بلاد القفقاز، وبلاد الأفغان، والهند، وكشمير ............. إلخ.
في هذا الوقت نرى من يثير شبهة الرق في الإسلام، من اليهود والنصارى وأذنابهم من المستغربين، فيزعم أن الإسلام قد انتهك حقوق البشر بإباحة الرق، وهي شبهة باردة تردها الحقائق التاريخية:
فالرق كان أمرا معهودا قبل الإسلام، سواء أكان ذلك في: جزيرة العرب، أم في الممالك المجاورة لها، كفارس والروم، ونقلت إلينا الدراسات التاريخية: مخازي الرومان في معاملة الرقيق، حتى صاروا مادة للترفيه، في المناسبات العامة التي يحضرها الإمبراطور وحاشيته، فيلقى العبد فريسة لوحش كاسر، ليصارعه وسط هتافات الجماهير المتحمسة، أو يصارع آدميا مثله حتى الموت في مشاهد وحشية تقطر دما.
فجاء الإسلام ليواجه هذا الأمر الواقع بتشريع حكيم من لدن رب العالمين، فأقر ما تقدم من رق، وشرع إعتاق العبيد، وجعله من أجل القرب، فهو من خصال الكفارة الواجبة على التخيير، وهو من الواجب المعين، على قول بعض العلماء كما سبقت الإشارة إلى ذلك، في صورة: المكاتب القادر على الكسب، لئلا يصير عالة على الجماعة المسلمة إن كان أخرقا لا يجيد صناعة، فبقاؤه في ملك سيده أنفع له في دينه ودنياه.
وحرم الإسلام التفريق بين الأم وولدها إذا وقعا في السبي، وعند الترمذي، رحمه الله، من حديث أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وكانت الأمة إذا ولدت لسيدها صارت: أم ولد، لا يجوز بيعها، فتعتق بعد وفاة سيدها على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو اختيار عمر، رضي الله عنه، الذي أجمع عليه أهل الفتوى في زمانه.
ولم يغلق الإسلام باب الرق، وإنما شرع استرقاق نساء وذريات المحاربين الذين جهروا بعداوة الإسلام، ولم يقبلوا الدخول فيه أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وشتان بين رق الإسلام ورق الفرس والرومان:
¥