تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"لما ضرب الله تعالى قلب المؤمن، وما فيه من الهدى والعلم، بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقّد من زيت طيب، وذلك كالقنديل، ذكر محلها وهي المساجد، التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها ويُوَحّد". اهـ

والإذن في الآية هو: الإذن الشرعي، فالله، عز وجل، قد أذن بإرادته الشرعية بأن تقام المساجد التي يذكر فيها اسمه، والأحاديث الدالة على فضل عمارة المساجد كثيرة، وقد ذكر الحافظ ابن كثير، رحمه الله، جملة منها، فمن ذلك:

حديث عثمان، رضي الله عنه، مرفوعا: "من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة". أخرجاه في الصحيحين.

وحديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتا في الجنة"، والحديث عند ابن ماجه، رحمه الله، في سننه.

وقيد الله، عز وجل، البيوت بقوله: (أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)، فجملة: "أذن الله": نعت أول، وجملة: "ويذكر فيها اسمه": عُطِفَتْ عليها فتأخذ حكمها، و: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رجال): نعت ثان، والنعت مخصص للنكرات موضح للمعارف، كما قرر النحاة، فخرج بهذه القيود: المساجد التي بنيت ليشرك فيها بالله، عز وجل، أو ليعظم ويدعى فيها غيره، أو ليكاد للمؤمنين فيها، كمسجد الضرار الذي نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القيام فيه، مع أن ظاهره: أنه بيت أقيم لذكر الله، عز وجل، فيه، ولكن لما كانت العبرة بالمقاصد، صارت الوسيلة، وإن كانت مستحبة، بل واجبة أحيانا، محرمة، لأنها تؤدي إلى مقصد فاسد، وللوسائل أحكام المقاصد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

فكذلك المساجد التي بنيت ليشرك فيها مع الله، عز وجل، فإنها وسيلة تأخذ حكم مقصدها، فتتعين إزالتها، أو إزالة ما يشرك بالله فيها، ومع أن في هدمها مفسدة، إلا أن هذه المفسدة أهون من مفسدة الشرك الحاصل فيها، فتدفع المفسدة العظمى بارتكاب المفسدة الصغرى، وهذا أصل تشهد له فروع كثيرة.

وقد قال الحنابلة، رحمهم الله، بهدم المسجد الذي أقيم فوق قبر، إن كان المسجد هو الأحدث، أو نبش القبر ونقل الرفات إلى مقابر المسلمين وطمس معالمه لئلا يعظم، إن كان هو الأحدث، كأن يوصي فلان من الناس بدفنه في المسجد، فيكون ذلك من باب سد الذريعة إلى تعظيم المقبور وهو بدوره ذريعة إلى تحري الدعاء والصلاة عنده مظنة الزياة في الأجر وهذا ابتداع لا مستند له من الشريعة إذ فضائل الأزمنة والأمكنة لا تثبت إلا بنص فيكون ذلك بدوره ذريعة إلى طلب الدعاء منه وهو شرك أصغر فيفضي ذلك في آخر الأمر إلى دعائه من دون الله كما هو مشاهد اليوم في كثير من الأضرحة والمشاهد التي يطلب قضاء الحوائج من ساكنيها، إن كانوا قد دفنوا فيها أصلا وليس الأمر مجرد وهم يتكسب به سدنة تلك الأوثان فهي سلسلة من الذرائع المتصلة يفضي السابق منها إلى اللاحق، فينهى عن أولها سدا لذريعة الوقوع في آخرها، وهو أصل معتبر في شريعة المسلمين، اعتمده كثير من أهل العلم لا سيما المالكية، رحمهم الله، فهم من أكثر الناس مراعاة لمقاصد المكلف.

وأما حكم بناء المساجد فإنه من باب: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فإذا كانت صلاة الجماعة: واجبة، على الراجح من أقوال أهل العلم، فإن بناء المساجد التي تقام فيها، واجب، وإن كانت الجماعة جائزة في غير المساجد، ولكن الأصل فيها أن تؤدى في المساجد، فهي إحدى شعائر الإسلام الظاهرة، التي يقاتل أهل المحلة إذا تركوها، فضلا عن كون المساجد محل الأذان، وهو، أيضا، من شعائر الإسلام التي يقاتل من هجرها، فهما علامتان فارقتان بين: دار الإسلام ودار الحرب.

ومن مسائل هذا الباب:

مسألة النوم في المساجد:

يقول القرطبي رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير