فذكر الحال الغالب عليها ودخل فيه الحال الطارئ تغليبا.
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ):
اللام في: "لله": للملكية والاستحقاق، فهو، عز وجل، مالك الأعيان، وملك الأوصاف، فله المُلْكُ والمِلْك، وقد أكد هذا الأمر بـ:
تقديم ما حقه التأخير، وهو لفظ الجلالة: "لله"، فيفيد الحصر، فلا مالك ولا ملك إلا الله عز وجل.
وعموم المبتدأ المؤخر: "ملك السماوات والأرض"، فهو مضاف إلى محلى بـ: "أل" تفيد استغراق عموم ما دخلت عليه، وهو عموم لا مخصص له، فلا شيء من أعيان أو أحوال الكون يخرج عن عموم مشيئته الكونية النافذة.
وقوله تعالى: (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ):
قصر آخر بتقديم ما حقه التأخير، فالأصل: المصير إلى الله، فلما تقدم شبه الجملة أفاد قصر مصير الكائنات كلها إلى الله، عز وجل، ولم يضف المصير إلى غيره، وإنما عرفه بـ: "أل" الجنسية، ليدل على العموم الذي لا يتطرق إليه تخصيص، كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)، فحذف معمول: "يدعو" لبيان عموم دعوة الدلالة والإرشاد فهي لا تختص بأحد دون آخر، بخلاف: هداية التوفيق والإلهام، فالله، عز وجل، (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ):
الاستفهام للتعجب، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا).
وهو يفيد التقرير في نفس الوقت، لأن جوابه: "نعم"، فقد تقرر أن الاستفهام:
إن كان جوابه: "نعم" فهو تقريري.
وإن كان جوابه: "لا"، فهو إنكاري، كما في:
قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)، فالجواب: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، فيفيد توبيخ من أثبت الشفاعة الباطلة، كشفاعة المعبودات الباطلة لعابديها، أو الشفاعة عند الله، عز وجل، بلا إذنه، قهرا، تعالى عز وجل عن أن يقهره أحد، كما يقبل ملوك الدنيا الشفاعة وإن لم تطب نفوسهم بها، تأليفا لقلب الشافع، أو كسبا لوده، أو افتقارا إلى ما عنده ............ إلخ، والله، عز وجل، الغني عن خلقه، فكل ما سواه مفتقر إليه، ففي الاستفهام أيضا: معنى الإبطال لما تقدم.
وقوله تعالى: (أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فالجواب: "لا"، وما بعده غير حاصل، فالاستفهام: إنكاري إبطالي.
والشواهد على ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
والإزجاء، كما يقول أبو السعود رحمه الله:
"سوقُ الشَّيءِ برفقٍ وسهولة غلبَ في سوقِ شيءٍ يَسيرٍ أو غيرِ معتدَ به، ومنه البضاعةُ المُزجاة ففيه إيماءٌ إلى أنَّ السَّحابَ بالنسبة إلى قُدرته تعالى ممَّا لا يعتدُّ به". اهـ
وقوله: {ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ} أي بين أجزائِه بضمِّ بعضِها إلى بعضٍ. وقُرىء وقوله: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} أي مُتراكماً بعضُه فوقَ بعضٍ.
وقوله: {فَتَرَى الودق} أي المطرَ، ومنه قول الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ******* ولا أرض أبقل إبقالها
أي: فلا سحابة أمطرت مطرها.
وجملة: (يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ): في محل نصب حال، لأن الرؤية هنا بصرية فلا تتعدى إلا إلى مفعول واحد، فآل الكلام إلى: ألم تر كيف ساق الله، عز وجل، السحاب، وجمعه، فترى الماء حال كونه نازلا منه، ورؤية الماء حال نزوله أبلغ في التدبر، وأدعى إلى شكر النعمة.
قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ):
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
¥