تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فحالهم حال جميع أهل الأهواء، لا يقبلون الحق إلا إن وافق قياس عقولهم وهوى قلوبهم، فإن عارضه، تركوه إلى غيره، وهذا حال كل مقلد ينتصر لمذهبه وإن خالف الحق، فهو يقبل الدليل إن أيد قوله، ويضعفه، أو يؤوله، أو يعرض عنه، أو يزعم نسخه بلا بينة، وإن كان محكما، ليتمسك بمتشابه ينصر به باطله.

وانظر إلى استدلالات العلمانيين بنصوص الوحي: كتابا وسنة، لترى تحريف التصوص تحت ستار: التأويل والقراءة الجديدة للنصوص ومواكبة العصر ........... إلخ.

قوله تعالى: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ):

الاستفهام: إنكاري توبيخي، لأن ما بعده حاصل، فقلوبهم مريضة، وهم مرتابون، يخشون، بظنهم الفاسد، أن يحيف الله عليهم ورسوله.

وفي قوله: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ):

"مرض": إما مبتدأ مؤخر، أو فاعل اعتمد على الجار والمجرور، أو، عند التحقيق، على متعلق الجار والمجرور، فيكون المعنى: أفي قلوبهم استقر شك، أو: مستقر شك، والأول أولى: لأن رفع الفاعل بالفعل هو الأصل، فلا يعدل عنه إلى تقدير مشتق، اسم الفاعل: مستقر، يرفع الفاعل، مع إمكان البقاء على الأصل.

وتقديم الجار والمجرور يدل على أن الإشكال ليس في وقوع المرض، فكم من أناس مرضت أبدانهم وصحت قلوبهم، وإنما الإشكال في موضع الداء، فالشبهة أو الشهوة قد استولت على ملك الأعضاء ففسدت الجند تبعا لفساده، فتقديم ما حقه التأخير لا يكون إلا لزيادة معنى لا تتحقق إلا بذلك.

ونظيره: قوله تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ)، فالإشكال، أيضا، ليس في مجرد وقوع الشك، فهو أمر قد يطرأ على أي إنسان، وإنما الإشكال في الشك في الله، عز وجل، إذ كيف يشك عاقل صحيح الفطرة في وجود الله، عز وجل، أو استحقاقه تمام العبودية فرعا على كمال ربوبيته، فناسب أن يقدم الجار والمجرور، أيضا، ليؤكد على هذا المعنى.

ثم أضرب الله، عز وجل، عما سبق: "إضرابا انتقاليا"، فلم ينفه، وإنما ضم إليه شيئا آخر من شنائعهم، وهو أنهم: (هُمُ الظالمون)، وقد أكد على هذه العلة بـ:

الإضراب الذي يقرع السمع مؤذنا ببيان حكم جديد بعده، سواء أكان مبطلا لما قبله أم موافقا له.

وتعريف الجزأين: "أولئك"، و: "الظالمون".

وضمير الفصل: "هم".

وأشار إليهم باسم الإشارة: "أولئك"، الذي يشار به إلى البعيد، بيانا لانحطاط شأنهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وقد جعله أبو السعود رحمه الله: "إضرابا إبطاليا"، فكأن ما تقدم ليس علة كفرهم وإعراضهم، وإنما هو أمر أعظم من ذلك وهو وصف الظلم الذي اشتق منه اسم الفاعل: "الظالمون".

ثم ذكر الله، عز وجل، حال المؤمنين على وجه المقابلة لحال الكافرين، فقال:

(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ):

فحصر قولهم إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله في قولهم: "سمعنا وأطعنا"، فتقدير الكلام: إنما كان السمعُ والطاعةُ قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالمصدر المؤول من: "أن يقولوا سمعنا وأطعنا" في محل رفع اسم كان المؤخر، وتقدم، مرارا، أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والتوكيد، فالحصر حاصل في هذا السياق بـ: "إنما"، وتقديم الخبر على الاسم.

ثم ذكر من حالهم أنهم: (هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فأكده أيضا: بتعريف الجزأين، وضمير الفصل، وأشار إليهم بـ: "أولئك" بيانا لرفعة شأنهم على العكس من حال الكافرين في الآية السابقة، فالسياق قد دل في الأولى على ضعة المشار إليه، وفي الآية الثانية على رفعته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير