قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ):
في الآية جملة شرطية:
شرطها: طاعة الله ورسوله وخشية الله، عز وجل، على ما مضى من ذنوبه، وتقواه فيما هو آت من مستقبل أمره، فالطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخشية لا تكون إلا من الله، عز وجل، مصداق قوله تعالى: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ).
وجوابها: الفوز برضوان الله عز وجل.
قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ):
فهذا دأب المنافقين، في كل زمان، مصداق قوله تعالى: (فكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، وقوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ)، وقوله تعالى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)، بل إنهم يحلفون لله، عز وجل، يوم القيامة، مصداق قوله تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
وقسمهم مؤكد بالمصدر المبين لنوع عامله: (جهد أيمانهم)، وهو مصدر معنوي، من غير لفظ عامله: "أقسموا"، وجعله أبو السعود رحمه الله: مصدرا في موقع الحال أي أقسموا به تعالى جاهدين في أيمانهم، فيكون في ذلك كناية عن غلظ أيمانهم، حتى صح أن توصف حالهم بالمصدر، فكأنها هي نفس الجهد، كما تقول: محمد عدل، أو: محمد فضل، والقياس: محمد عادل، و: محمد فاضل، فتعدل عن الإخبار بالوصف المشتق إلى الإخبار بالمصدر كناية عن شدة تلبس المسند إليه بالمعنى الذي يدل عليه المسند، فكأنه قد بلغ منزلة من العدل أو الفضل صح معها أن يخبر عنه به، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فالمعنى: ائتيا طائعتين أو مكرهتين، وإنما جاء المصدر محل الحال كناية عن تمام انقيادهما.
وقوله تعالى: (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ):
اللام: موطئة للقسم، فتقدير الكلام: والله لئن أمرتهم، فحذف واو القسم والمقسم به اكتفاء باللام الدالة عليهما، فهي بمنزلة العوض عنهما، وقد قرر النحاة: أنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه، لأن في ذلك تطويلا مستقبحا يتنزه عنه آحاد المتكلمين فكيف برب العالمين؟!!.
ومثله أيضا: أن جواب القسم: "ليخرجن"، قد سد مسد جواب القسم وجواب الشرط: "إن"، فهو دال عليه، فلا يحسن، أيضا، ذكر المحذوف إذا قامت القرينة على حذفه.
قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ:
لَا تُقْسِمُوا: نهي للتوبيخ.
يقول أبو السعود رحمه الله:
"وقوله تعالى: {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} خبرُ مُبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ تعليلٌ للنَّهيِ أي لا تقسمُوا على ما تدَّعُون من الطَّاعةِ لأنَّ طاعتَكم طاعةٌ نفاقيةٌ واقعةٌ باللِّسان فَقَط من غيرِ مُواطأةٍ من القلبِ، وإنَّما عبر عنها بمعروفةٌ للإيذانِ بأنَّ كونَها كذلك مشهورٌ معروفٌ لكلِّ أحدٍ". اهـ
وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ): تذييل يناسب السياق، فالله، خبير بكنه تلك الطاعة المزيفة.
قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ):
¥