ولا شك أن أسلوب الاستدعاء كان يختلف بحسب اختلاف وجهة الكاتب وشاكلته، فالاستدعاء الذي يكتبه أديب كخليل بن أيبك الصفدي رحمه الله، يختلف بعض الشيء عن استدعاء يكتبه عالم محدث ورع لا يحب إطراء المشايخ ولا المبالغة في تبجيلهم.
والاستدعاء يكون أحياناً قصيراً، ويكون أحياناً طويلاً لأنه يكون شاملاً لأسماء كثيرٍ من المستجاز لهم، وقد يكون محتوياً على أسماء كثيرٍ من المحدِّثين والمسندين والشيوخ الذين تطلب منهم الإجازة لمن كتبت أسماؤهم في الاستدعاء من الطلاب ومن كان في حكمهم.
وأيضاً الاستدعاء يكتب – كما تقدم – نثراً، وقد يكون نظماً.
ويظهر أن الاستدعاءات اختلفت في بعض تفاصيلها وترتيبها من عصر إلى آخر؛ قال الكتاني في (فهرس الفهارس) (1/ 348 - 349) في ترجمة الحضرمي:
(هو الإمام الأوحد إمام المحدثين وعلم المسنِدين العالم العلم رئيس الكتاب بالحضرة السلطانية وكاتب العلامة بها: أبو محمد عبد المهيمن ابن الفقيه القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد المهيمن الحضرمي السبتي الدار التونسي القرار، المتوفى سنة 747 بتونس ومولده بسبتة سنة 677 قال عنه اللؤلؤي في (تاريخه): كان إماماً في الحديث وحجة في حفظه ورجاله، له أربعينات في الحديث؛ اهـ؛ وقال عنه ابن خلدون في (تاريخه): كانت بضاعته في الحديث والفقه والأدب والعربية وسائر الفنون مضبوطة كلها مقابلة لا يخلو ديوان منها عن ضبط بخط بعض شيوخه المعروفين في سنده إلى مؤلفه، حتى الفقه والعربية الغريبة الإسناد إلى مؤلفهما [كذا] في هذه العصور؛ اهـ؛ وقال في محل له آخر: برز في علم الإسناد وكثرة المشيخة وكتب له أهل المغرب والأندلس؛ اهـ.
قلت: وقفت على صورة استدعاء منه ومن جماعة من أعلام المغرب كَتَب عليه بالإجازة له ولهم جماعةٌ من الأيمة، والكل بخط المترجم، وهو عندي أعز من بيض الأنوق، لأنه يشخص لنا كيفية استدعاءات من سبق، ونسقهم في الإجازات، ويعرفنا خط الحضرمي الذي يضرب به المثل في الإبداع.
وممن أجاز له مالك بن المرحل وأبو الفتح بن سيد الناس؛ ومن المشرق الابرقوهي، وابن عبد الهادي، وخليل المراغي، وأبو حيان، والدمياطي، وست الفقهاء بنت الواسطي، وخلق).
8
إجابة الاستدعاء
إن وافق المستجاز وأجاب - والموافقة هنا هي الغالبة - كتب موافقته على الاستدعاء نفسِه، وهو ما جرت به العادة، أو كتبها في ورقة أخرى غير ورقة - أو أوراق - الاستدعاء، ومن المعلوم أنه يتعين ذلك عندما تضيق أوراق الاستدعاء عن استيعاب نص الإجازة، وبعض العلماء يفصل في الإجازة ويتوسع في بيان مروياته وإجازاته وشيوخه وبعض ما يتعلق بذلك؛ ولكن الورق المستعمل كان أحياناً أكبر من المعهود والخط أدقّ؛ وهذا مثال إجابة مطولة:
قال الكتاني في (فهرس الفهارس والأثبات) (2/ 685) وهو يذكر بعضها:
(النجوم السوابق الأهلة فيمن لقيته أو كتب لي من الأجلة:
ثبت كبير في نحو العشر كراريس، ألفته إجازةً لصاحب التآليف العديدة والرواية الواسعة العالم مسند مكة في عصرنا هذا الشيخ عبد الستار الهندي ثم المكي الحنفي، بسبب استدعاء ورد علي منه من مكة المكرمة عام 1321، ترجمت فيه لمئة ممن أخذت عنه من المشايخ أو لقيته، رتبتهم على حروف المعجم، وختمته بإسناد نحو المئة والخمسين من الأثبات؛ وهذا مما يستكثر على أمثالنا في ذلك السن، وذلك الزمن، وقبل الرحلة إلى المشرق؛ فلله الحمد في الآخرة والأولى).
وقد تكون تلك الموافقة – أي الإجازة – نظماً، ويكثر ذلك إذا كان استدعاؤها نظماً، أو إذا كان المجيز شاعراً أو يتعانى النظم ويحسنه؛ ولا سيما إذا كانت الإجازة قصيرة قليلة التفاصيل.
ومما لعله لا يحتاج إلى تنبيه أنه لا تلازم بين الاستدعاء والإجازة، ففي (فتح المغيث) للسخاوي (2/ 109): (ثم الإجازة تارة تكون بلفظ المجيز بعد السؤال منها من المجاز له أو غيره أو مبتدئاً بها وتارة تكون بخطه على استدعاء كما جرت به العادة أو بدون استدعاء).
¥