وقد قال الإمام أحمد - في رواية حنبل - فيما كان بخلاف ذلك من أنواع المناولة: (المناولة لا أدري ما هي، حتى يعرف المحدثُ حديثَه، وما يُدريه ما في الكتاب؟!).
ولكن هذا التوجيه لا يصح، دليل عدم صحته: أنَّ الإمام أحمد لم يرتض رواية أبي اليمان من كتب شعيب بصيغة (أخبرنا) مع علمه بأنه [إنما] كان يروي من كتبه، فقد قال – كما تقدم نقله عنه -: (فكان ابن شعيب يقول: إن أبا اليمان جاءني فأخذ كتب شعيب مني بعد وهو يقول: أخبرنا، فكأنه استحل ذلك بأن سمع شعيباً يقول لهم: ارووه عني).
وقد يقال في توجيه هذا الأثر قولٌ آخر، وهو أنه من باب الحمل على الغالب، أي أنه مبني على احتمال أن يكون معظم ما رواه أبو اليمان عن شعيب مما سمعه منه، وهذا غير صحيح أيضاً، فقد نقل البرذعي عن أبي زرعة الرازي قال: (لم يسمع أبو اليمان من شعيب بن أبي حمزة إلا حديثاً واحداً، والباقي إجازة).
ثم إنَّ كلام أبي زرعة هذا يعارض ما تقدم من كلام أبي اليمان، فإنه نص على أن أبا اليمان لم يسمع من شعيب إلا حديثاً واحداً، والسماع هنا يُحمل - كما هو ظاهر السياق ومقتضاه - على ما يَشمل قراءة أبي اليمان على شعيب وعكسها، وعلى ما قُرئ على شعيب وأبو اليمان يسمع، ومعنى هذا الأثر وتفسيرِه: أنَّ أبا اليمان لم يسمع من شعيب إلا بطريقة واحدة، لأنه سمع منه حديثاً واحداً فقط؛ وهذا يناقض ما يؤخذ من كلام أبي اليمان في الأثر المتقدم، وهو أنَّه قرأ على شعيب بعض كتبه وقرأ عليه شعيب بعضها.
وأخيراً: إنَّ إسناد أثر أبي اليمان هذا إسناد صحيح ولكن متنه غريب ولا أدري هل يكون من الجرأة والتسرع أن يعلَّ ويُحكم عليه بالشذوذ، أوْ لا؟ الله أعلم.
وإن جاز تعليل هذا الخبر فإن من الأوجه المحتملة في تعليله هو أن الإمام أحمد قال للحكم بعد أن استفصله كيفية أخذه كتب شعيب وتبيين أبي اليمان لذلك: (تقول في كله: أخبرنا؟!)، أي على وجه الإنكار والتعجب، ولكن أبا اليمان لم يفهم من عبارة أحمد الإنكار أو الاستغراب، بل ظن أن أحمد إنما أراد بذلك الكلام أن يرشده ويجيز له أن يقول في كل ذلك: (أخبرنا شعيب)، فروى كلام أحمد بمعناه وجعل (قل) مكان (تقول).
ثم إني وجدت الأثر المتقدم في (سير أعلام النبلاء) (10/ 321) بهذه الصورة: (قال إبراهيم بن ديزيل: سمعت أبا اليمان يقول: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب؟ قلت: قرأت عليه بعضه، وبعضه قرأه عليَّ، وبعضه أجاز لي، وبعضه مناولة؛ قال: فقال في كله: أخبرنا شعيب).
ولو صح هذا اللفظ لزال الإشكال، وتكون هذه العبارة الأخيرة لابن ديزيل أو لغيره من رواة الخبر، ويكون معناها الإنكار على أبي اليمان، ولكن أنّآ يصح والسياق يأباه، فهو تصحيف بلا ريب).
المصدر: لسان المحدثين/ الجزء الخامس
ـ[عبد اللطيف الحسيني]ــــــــ[13 - 02 - 08, 03:12 ص]ـ
1609. الوِجادة:
قال ابن الصلاح (ص157 - 159 طبعة نور الدين عتر): (القسم الثامن [أي من أقسام التحمل]: الوِجادة مصدر لـ «وجد يجد»، مولَّد غير مسموع من العرب؛ روينا عن المعافَى بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم «وجادة» فيما أُخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة، من تفريق العرب بين مصادر «وجد» للتمييز بين المعاني المختلفة، يعني قولهم: وجد ضالته وِجداناً ومطلوبَه وجوداً، وفي الغضب موجدةً، وفي الغني وُجداً، وفي الحب وَجْداً.
مثال الوجادة: أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها وبخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، ولا له منه إجازة ولا نحوها، فله أن يقول: "وجدت بخط فلان، أو: قرأت بخط فلان، أو: في كتاب فلان بخطه، أخبرنا فلان بن فلان" ويذكر شيخه، ويسوق سائر الإسناد والمتن معاً، أو: يقول: "وجدت، أو: قرأت بخط فلان عن فلان " ويذكر الذي حدثه ومن فوقه.
هذا الذي استمر عليه العمل قديماً وحديثاً، وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوباً من الاتصال بقوله "وجدت بخط فلان".
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه "عن فلان، أو: قال فلان" وذلك تدليس قبيح، إذا كان بحيث يوهم سماعه منه، على ما سبق في نوع التدليس.
¥