ـ[جمال الموصلي]ــــــــ[15 - 02 - 08, 05:51 م]ـ
الإسناد العالي والنازل
لما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة، وليس من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيّها إسنادً متصلاً غير هذه الأمة،فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه.
كما قال الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله تعالى): الإسناد العالي سنة عمن سلف.
وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: (بيت خال، وإسناد عال).
الإسناد العالي:
وأقسام الإسناد العالي خمسة، هي:
1 - القرب من الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) وهو أجلها وأعظمها: من حيث العدد بإسناد صحيح نظيف، بخلاف ما إذا كان مع ضعف، فلا التفات إلى هذا العلو، لاسيما إن كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعاً من الصحابة (رضي الله عنهم)، وقد حرص العلماء على هذا النوع من العلو 0
2 - القرب من إمام من أئمة الحديث: كالأعمش، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك، وشعبة، وغيرهم مع الصحة أيضاً، وإن كثر بَعده العدد إلى رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)).
3 - العلو المقيد: بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الخمسة، أو غيرها من الكتب المعتمدة.
وصورته: أن تأتي لحديث رواه البخاري مثلاً، فترويه بإسنادك إلى شيخ البخاري أو شيخ شيخه، وهكذا، ويكون رجال إسنادك في الحديث
أقل عدداً مما لو رويته من طريق البخاري.
وهذا القسم جعلوه أنواعاً أربعة:
الأول: الموافقة، وصورتها: أن يكون مسلم مثلاً روى حديثاً عن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فترويه بإسناد أخر عن يحيى، بعدد أقل مما لو رويته من طريق مسلم عنه.
الثاني: البدل أو الإبدال: وصورته في المثال السابق، أن ترويه بإسناد آخر عن مالك أو عن نافع، أو عن ابن عمر، بعدد أقل أيضاً.
وقد يسمى هذا (موافقة) بالنسبة إلى الشيخ الذي يجتمع فيه إسنادك بإسناد مسلم كمالك أو نافع.
الثالث: المساواة: وهي كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبيّ ((صلى الله عليه وسلم)) فيه أحد عشر نفساً، فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبيّ ((صلى الله عليه وسلم)) وبيننا وبين النبيّ ((صلى الله عليه وسلم)) فيه أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد، مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص.
وقال ابن الصلاح: أما المساواة فهي في أعصارنا: أن يقل العدد في إسنادك، لا إلى شيخ مسلم وأمثاله، ولا إلى شيخ شيخه، بل إلى من هو أبعد من ذلك كالصحابيّ أو من قاربه، وربما كان الرسول الله ((صلى الله عليه وسلم))، بحيث يقع بينك وبين الصحابيّ مثلاً من العدد مثل ما وقع من العدد بين مسلم وبين ذلك الصحابيّ، فتكون بذلك مساوياً لمسلم مثلاً في قرب الإسناد وعدد رجاله.
الرابع: المصافحة: هي أن تقع هذه المساواة التي وصفناها في ثالثاً لشيخك، لا لك فيقع ذلك لك مصافحة، إذ تكون كأنك لقيت مسلماً في ذلك الحديث به، لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم، فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت، وصافحته المصافحة لشيخك، فتقول: كأن شيخي سمع مسلماً وصافحه.
واعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول، إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعل أنت في إسنادك.
4 - العلو بتقدم وفاة الشيخ الذي نروي عنه عن وفاة شيخ آخر، وان تساويا في عدد الإسناد.
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم، أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبى بكر بن خلف عن الحاكم، لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف.
وقد يكون العلو بتقدم وفاة شيخ الراوي مطلقاً، لا بالنسبة إلى إسناد آخر ولا إلى شيخ آخر، وهذا القسم جعل بعضهم حد التقدم فيه مضيّ خمسين سنة على وفاة الشيخ، وجعله بعضهم ثلاثين سنة.
5 - العلو بتقدم السماع: فمن سمع من الشيخ قديماً كان أعلى ممن سمع منه أخيراً، كأن يسمع شخصان من شيخ واحد، أحدهما سمع منذ ستين سنة مثلاً، والآخر منذ أربعين، فالأول أعلى من الثاني، ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف.
الإسناد النازل:
وأما النزول: فضد العلو فهو خمسة أقسام أيضاً تعرف من ضدها، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول، وهو مفضول مرغوب عنه على الصواب.
قال ابن المدنيّ: النزول شؤم.
وقال ابن معين: الإسناد النازل قرحة في الوجه.
ولقد فضله بعضهم على العلو، حكاه ابن خلاد عن بعض أهل النظر، لأن الإسناد كلما زاد عدده زاد الاجتهاد فيه، فيزداد الثواب فيه.
قال ابن الصلاح: وهذا مذهب ضعيف الحجة.
قال ابن دقيق العيد: لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، ومراعاة المعنى المقصود من الرواية هو الصحة أولى.
فان تميز الإسناد النازل بفائدة كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع، وفي العالي: حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل بعض رواته في الحمل ونحو ذلك، فهو مختار.
قال وكيع لأصحابه: الأعمش أحب إليكم عن وائل عن عبد الله، أم سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب. فقال: الأعمش شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه.
قال ابن المبارك: ليس جودة الحديث قرب الإسناد، بل جودة الحديث صحة الرجال.
وقال السِّلفي: الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على المذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق.
قال ابن الصلاح: ليس هذا من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث، وإنما هو علو من حيث المعنى.
ولابن حبان تفصيل حسن: وهو أن النظر إن كان للسند فالشيخ أولى، وان كان للمتن فالفقهاء.
أنظر: الإرشاد إلى علم الإسناد / لشيخنا علم الدين ثامر فاضل المحمود الموصلي
¥