وأما الإسناد من جهة معروف فينقطع؛ فتارة يقولون: إن معروفاً صحب عليَّ بنَ موسى الرضا.
وهذا باطل قطعاً لم يذكره المصنفون لأخبار معروفٍ بالإسنادِ الثابتِ المُتَّصِلِ كأبي نعيم وأبي الفرج بنِ الجوزي في كتابه الذي صنفه في فضائل معروف، ومعروفٌ كان منقطعاً في الكرخ، وعليُّ بنُ موسى كان المأمون قد جعلَه وليَّ العهد بعده وجعل شعاره لباس الخضرة ثم رجع عن ذلك وأعاد شعار السواد، ومعروف لم يكن مِمَّن يجتمع بعليِّ بنِ موسى، ولا نَقَلَ عنه ثقةٌ أنه اجتمعَ به أوأخذ عنه شيئاً، بل ولا يعرف أنه رآه، ولا كان معروفٌ بوابَه ولا أسْلَمَ على يديه، وهذا كله كذب.
وأما الإسنادُ الآخرُ فيقولون: إن معروفَاً صحبَ داودَ الطائيَّ.
وهذا أيضَاً لا أصل له، وليس في أخباره المعروفة ما يُذْكَر فيها.
وفي إسناد الخرقة أيضاً: أنَّ داودَ الطائيَّ صَحِبَ حبيباً العَجَمِيَّ؛ وهذا أيضاً لم يُعْرَفْ له حقيقةٌ.
وفيها: أنَّ حبيباً العجمي صحب الحسنَ البصريَّ.
وهذا صحيح؛ فإن الحسنَ كان له أصحاب كثيرون، مثل: أيوبَ السختياني، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن عون، ومثل: محمدِ بنِ واسعٍ، ومالكِ بنِ دينارٍ، وحبيبٍ العجمي، وَفَرْقَدٍ السبخي، وغيرهم من عُبَّادِ البصرة.
وفيها: أنَّ الحَسَنَ صَحِبَ علياً.
وهذا باطل باتفاق أهل المعرفة؛ فإنهم متفقون على أن الحَسَنَ لم يجتمعْ بعليٍّ، وإنما أخذَ عن أصحاب علي؛ أخذَ عن الأحنفِ بنِ قيس وقيسِ بنِ عباد وغيرهما عن علي، وهكذا رواه أهلُ الصحيح، والحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وقتل عثمان وهو بالمدينة؛ كانت أمه أمة لأم سلمة فلما قتل عثمان حُمِل إلى البصرة، وكان علي بالكوفة والحسن في وقته صبي من الصبيان لا يُعْرَفُ ولا له ذِكْرٌ.
والأثرُ الذي يُروى عن علي أنه دخل إلى جامع البصرة وأخرج القُصَّاصَ إلا الحَسَنَ كَذِبٌ باتِّفاقِ أهلِ المعرفة.
ولكنَّ المعروفَ أنَّ علياً دخل المسجد فوجد قاصاً يقص فقال: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى، قال: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟، قال: لا، قال: هلكتَ وأهلكتَ، إنما أنت أبو اعرفوني، ثم أخذ بأذنه فأخرجه من المسجد.
فروى أبو حاتم في "كتاب الناسخ والمنسوخ": حدثنا الفضل بن دكين حدثنا سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمى قال: انتهى علي إلى قاص وهو يقص فقال أعلمت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت.
قال: وحدثنا زهير بن عباد الرواسي حدثنا أسد بن حمران عن جويبر عن الضحاك أن علي بن أبي طالب دخل مسجد الكوفة فإذا قاص يقص فقام على رأسه فقال يا هذا تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال أفتعرف مدنى القرآن من مكيه قال لا قال هلكت وأهلكت، قال أتدرن من هذا هذا يقول اعرفوني اعرفوني اعرفوني.
وقد صنف ابن الجوزي مجلداً في مناقب الحسن البصري، وصنف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءاً فيمن لَقِيَه من الصحابة، وأخبار الحسن مشهورة في مثل "تاريخ البخاري".
وقد كتبتُ أسانيدَ الخرقةِ لأنه كان لنا فيها أسانيدُ؛ فَبَيَّنْتُها ليُعْرَفَ الحقُّ من الباطل.
* * *
ولهم إسناد آخر بالخرقة المنسوبة إلى جابر وهو منطقع جداً.
وقد عقل بالنقل المتواتر أنَّ الصحابة لم يكونوا يُلبسون مريديهم خرقةً ولا يَقُصُّون شعورَهم، ولا التابعون، ولكنَّ هذا فعله بعضُ مشايخ المشرق من المتأخرين.
وأخبار الحسن مذكورة بالأسانيد الثابتة من كتب كثيرة يعلم منها ما ذكرنا، وقد أفرد أبو الفرج بن الجوزي له كتاباً في مناقبه وأخباره.
وأضعفُ من هذا نسبةُ الفتوة إلى علي، وفي إسنادها من الرجال المجهولين الذين لا يعرف لهم ذكر ما يُبَيِّنُ كَذِبها.
وقد علم كل من له علم بأحوال الصحابة والتابعين أنه لم يكن فيهم أحد يلبس سراويل ولا يسقي ملحا ولا يختص أحد بطريقة تسمى الفتوة، لكن كانوا قد اجتمع بهم التابعون وتعلموا منهم وتأدبوا بهم واستفادوا منهم وتخرجوا على أيديهم وصحبوا من صحبوه منهم، وكانوا يستفيدون من جميع الصحابة.
وأصحاب ابن مسعود كانوا يأخذون من عمر وعلي وأبي الدرداء وغيرهم، وكذلك أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه كانوا يأخذون عن ابن مسعود وغيره، وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وكذلك أصحاب زيد بن ثابت يأخذون عن أبي هريرة وغيره، وقد انتفع بكل منهم من نفعه الله.
¥