تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر بعضهم: كتابة يومية، واستدل لذلك بقوله عزّ وجل: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29)

ولكن الآية ليست واضحة في هذا المعنى.

وهنا مسألة: هل الكتابة تتغير أو لاتتغير؟

الجواب: يقول رب العالمين عزّ وجل: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد:39)

أي اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا كتاب، فما كتب في اللوح المحفوظ فهو كائن ولاتغيير فيه، لكن ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة فهذا: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) قال عزّ وجل: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود: من الآية114).

وفي هذا المقام يُنكَرُ على من يقولون: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) فهذا دعاء بدعي باطل، فإذا قال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) معناه أنه مستغن، أي افعل ما شئت ولكن خفف وهذا غلط، فالإنسان يسأل الله عزّ وجل رفعالبلاء نهائياً فيقول مثلاً: اللهم عافني، اللهم ارزقني وما أشبه ذلك.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ (1) فقولك: (لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللّطف فيه) أشد.

واعلم أن الدعاء قد يرد القضاء، كما جاء في الحديث: لاً يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ (2) وكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، فإذا دعا أجاب الله دعاءه، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة فيدعو فيستجيب الله دعاءه.

قال الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الانبياء:83)

فذكر حاله يريدُ أنّ اللهَ يكشفُ عنهُ الضُّرَّ، قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) (الانبياء: من الآية84)

المرتبة الثالثة: المشيئة:

ومعناها: أن تؤمن بأن كل كائن وجوداً أو عدماً فهو بمشيئة الله، كالمطر، والجفاف، ونبات الأرض، والإحياء، والإماتة، وهذا لا إشكال فيه، وهو مشيئة الله عزّ وجل لفعله،وكذلك ما كان من فعل المخلوق فهو أيضاً بمشيئة الله، ودليل ذلك قوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:28 - 29] وقال الله عزّ وجل: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) [البقرة:253] وأجمع المسلمون على هذه الكلمة: (ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.)

ففعل العبد بمشيئة الله. ويرد إشكال وهو إذا كان فعل العبد بمشيئة الله صار الإنسان مجبراً على العمل، لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فيؤدي هذا الاعتقاد إلى مذهب الجبرية، وهو مذهب الجهمية.

* والجهمية: لهم ثلاث جيمات كلها فساد:

الجهم: وهذا يتعلق بالصفات، والجبر: يتعلق بالقدر، الإرجاء: يتعلق بالإيمان، ثلاث جيمات كلها لاخير فيها.

ولهذا قول القائل: إذا كان كل شيء بمشيئة الله وبكتابة الله، فنحن مجبرين على أعمالنا؛ قولٌ لايخفى مافيه من الفساد، لأنه إذا كان الإنسان مجبراً وفعل الفعل ثم عُذب عليه، ولهذا لو حدث من بشر لصاح الناس به، فكيف بالخالق عزّ وجل؟

ولذلك يعتبر هذا القول من أبطل الأقوال، ونحن نشعر بأنهم لايجبرون على الفعل ولا على الترك، وأننا نفعل ذلك باختيارنا التام.

وبهذا التقرير يبطل هذا الاستفهام الحادث المحدث، هل الإنسان مسير أو مخير؟

وهذا سؤال غير وارد وعلى من يسأل هذا السؤال أن يسأل نفسه: هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال؟ وكلٌّ يعرف أن الإنسان مخير لا أحد يجبره، فعندما أحضر من بيتي إلى المسجد هل أشعر بأن أحداً أجبرني؟ لا، وكذا عندما أتأخر باختياري لا أشعر بأن أحداً أجبرني، فالإنسان مخيّر لا شك، لكن ما يفعله الإنسان نعلم أنهمكتوب من قبل، ولهذا نستدل على كتابة الله عزّ وجل لأفعالنا وإرادته لها وخلقه لها بعد وقوعها، أما قبل الوقوع فلا ندري، ولهذا قال الله عزّ وجل: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير