[موقفنا من اختلاف الأئمة في مسألة تغطية الوجه]
ـ[الروميصاء السلفية]ــــــــ[10 - 07 - 09, 02:06 م]ـ
سؤال:
بصراحة قضية مهمة تؤرقني، وهي ما معنى اختلاف الأئمة في قضية معينة؟ فإذا قلت لشخص ما إن الشيخ فلان قال إن ذلك الشيء حرام، قال لي: إن هذا في مذهبه هو، أو مذهب بلاده، ونحن نتبع مذهبا آخر يقول إنه حلال، وهذا التفكير أوصلني إليه قضية الحجاب معي، فمثلا البلد الذي أنتمي إليه مذهبه المالكية الذي يقول أئمته إن (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هو الوجه والكفان، أضف إلى ذلك أن الخمار شبه محرم في بلدي، يعني لا يمكن أبدا أن تمارس به حياتك اليومية، كالذهاب به إلى العمل أو المدرسة، وهناك قرارات تمنعه هو والقفازات، رغم أني شخصيا مقتنعة تمام الاقتناع بالخمار، ولكني لا أستطيع أبدا ارتداءه، فما حكمك في ذلك؟ لأني كلما سمعت أشرطة الحجاب للمشايخ الذين من مذهب آخر، أحس أن حجابي ليس شرعيّاً، وأفهم من كلامهم أني الآن سافرة ومتبرجة ومسببة للفتنة في هذه الأمة، فماذا نفعل ونحن حيارى بين هذا وهذا؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
كان المسلمون في زمن الوحي يتلقون أحكام الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديثه النبويَّة الشريفة، ولذلك لم يقع الخلاف بينهم إلا في أشياء يسيرة، وإن وقع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم وجه الصواب.
ثم لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانتشر الصحابة في الآفاق يعلِّمون الناس الدِّين ظهر الخلاف في بعض مسائل الفقه التي احتاج الناس إليها على اختلاف مكانهم وزمانهم، وكان لهذا الخلاف مجموعة من الأسباب، نلخصها هنا من كلام أهل العلم:
1. أن يكون الدليل لم يبلغ هذا المخالف الذي أخطأ في حكمه.
2. أن يكون الحديث قد بلغ العالِم، ولكنه لم يثق بناقله، ورأى أنه مخالف لما هو أقوى منه، فأخذ بما يراه أقوى منه.
3. أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه.
4. أن يكون بَلَغَهُ وفهم منه خلاف المراد.
5. أن يكون قد بلغه الحديث، لكنه منسوخ، ولم يعلم بالناسخ.
6. أن يعتقد أنه معارض بما هو أقوى منه من نص أو إجماع.
7. أن يأخذ العالِم بحديث ضعيف أو يستدل استدلالاً ضعيفاً.
وينظر في تفصيل هذه الأسباب، وذِكر غيرها: " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية " و " الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه " للشيخ العثيمين.
ونظن بهذا الذي سقناه من أسباب الخلاف بين العلماء أن معنى اختلاف الأئمة في مسائل الفقه أصبح ظاهراً عندكِ إن شاء الله.
ثانياً:
ما هو موقف المسلم تجاه الخلاف الذي يكون بين العلماء؟ وبعبارة أخرى: بأي قول يأخذ المسلم من أقوال أهل العلم التي اختلفوا إليها؟ الجواب فيه تفصيل:
1. إذا كان المسلم ممن درس العلم الشرعي وتعلم أصوله وقواعده، ويستطيع أن يميز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم: فإن الواجب عليه أن يتبع ما يراه صوابا، ويترك ما يراه خطأ.
2. أما إذا كان من العامة، أو ممن لم يدرسوا العلم الشرعي، وعليه: فهو لا يفرِّق بين صواب الأقوال وخطئها: فهذا الواجب في حقه أن يأخذ بفتوى من يثق بعلمه وأمانته ودينه من أهل العلم، سواء كانوا من أهل بلده أو من غيره، ولا يضره اختلاف العلماء بعد ذلك، فلا يجب عليه أن يغير ما يعمل به لأنه سمع عالما آخر يفتي بخلاف من أفتاه سابقا، إلا أن يكون ما علِمه بعد ذلك هو الحق بناءً على ثقته بالمفتي الآخر بدينه وعلمه.
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
" الواجب على مَن علِم بالدليل أن يتبع الدليل، ولو خالف مَن خالف من الأئمة، إذا لم يخالف إجماع الأمة.
ومَن ليس عنده علم: فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه، لا على سبيل الوجوب؛ لأن من هو أفضل قد يخطئ في هذه المسألة المعينة، ومن هو مفضول قد يصيب فيها الصواب، فهو على سبيل الأولوية، والأرجح: أن يسأل من هو أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه ودينه ".
انتهى باختصار من كتابه " الخلاف بين العلماء " (ص 15 – 17).
¥