3 _ عدم مقابلة الكتاب ومعارضته بأصله وتصحيح تجارب طبعه: وأمر المقابلة والمعارضة صنيع لا بد منه ولا مناص ولا محيد عنه، ويعتبر الركيزة الأساسية والطريقة المثلى الوحيدة الأكيدة لضبط النص وتصحيحه وسلامته من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان والأوهام، ولهذا أكد عليه العلماء وشدوا عليه وخاصة منهم أهل الحديث أتباع السنن والآثار، وعقدوا له الأبواب والفصول في مصنفاتهم وتآليفهم، " فعن هشام بن عروة قال: قال لي أبي: أكتبت؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا، قال: لم تكتب يابني". (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والرامهرمزي في المحدث الفاصل والخطيب في الجامع والكفاية، وابن عبد البر في الجامع، والقاضي عياض في الإلماع، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء بألفاظ متقاربة)، وعن الأوزاعي قال: " مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي " (أخرجه ابن عبد البر في الجامع والقاضي عياض في الإلماع، وروي مثله عن يحيى بن أبي كثير أخرجه عنه الخطيب في الجامع والكفاية وابن عبد البر في الجامع، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء).
"وعن أبي محمد أفلح بن بسام قال: كنت عند القعنبي فكتبت عنه فقال لي: كتبت؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا، قال: لم تصنع شيئا." أخرجه الخطيب في الكفاية ... إلى غير هذه الأقوال والآثار المنقولة عن السلف في حتمية مقابلة النصوص ومعارضتها بأصولها يكتفى بالذي ذكرت منها.
فكان غياب هذا الأمر عن ساحة الكتاب مزلة عظمى وجناية كبرى جعلته يثقل بالمآت من الأخطاء التي قاربت الألف بسبب الاستعجال الذميم، والتسرع المقيت، وعدم الخوف من المتابع والرقيب، حتى إن أول تعليق في الكتاب وأول هامش فيه كان خطأ وغلطا، وفي المثل: " اعتبر للسفر بأوله ّ.
ويمكن إدراج هذه الأخطاء والأغلاط على النحو التالي:
أ – السقط والحذف والتصرف في الدراسة.
ب _الأخطاء في أكثر الإحالات داخل الكتاب تبلغ المآت من الأغلاط.
ج _ الإحالة إلى غير المطلوب المراد بسبب الاشتباه وعدم التفريق بين الأسماء أو كنى الأعلام، والإحالة أحيانا إلى صفحات أصل الكتاب قبل طبعه.
د _ عدم إصلاح الأخطاء النحوية.
هـ _ سوء التنسيق في الطبع ورداءته؛ حيث تأتي الكلمة الواحدة مفرقة بين جزءين أو سطرين، فمثلا يأتي جزء آية قرآنية في مجلد ويأتي جزؤها المتمم لها في أول المجلد الذي يليه، وتأتي القصيدة الشعرية كلها في آخر مجلد ويأتي البيت الأخير منها في أول المجلد الذي بعده، وهكذا بالنسبة للأعلام وغيرها من الجمل.
كما أن كتابة الأبيات الشعرية جاءت في معظمها على نسق الكلام المنثور لا الموزون المنظوم.
ولدي الأمثلة مدونة على كل ما ذكرت وإليه أشرت يأتي نشرها وبسطها لاحقا، إن شاء الله تعالى إذا اقتضاه الأمر ودعت الحاجة إليه.
4 _ عدم إلحاق الناشر الفهارس العلمية الفنية المصنوعة للكتاب، ووضع مكانها فهارس أخرى هشة مهلهلة شوهاء لا تفي بالمرغوب ولا توصل إلى مطلوب، مما اشتكى منه العلماء والقراء والباحثون، ومعلوم أن صنع الفهارس الفنية لأي كتاب هي من تمام خدمته وكمال العناية به، خصوصا الكتب الكبار ذات الأجزاء العديدة والصفحات الكثيرة، إذ فهارسها مفاتيحها الهادية إلى مضامينها المرشدة إلى مكنوناتها، ولقيمتها الظاهرة وفائدتها الباهرة كانت ضرورة ملجئة تفرضها الأمانة العلمية، ويؤكدها البحث العلمي الشريف، وهو ما أكده العلماء الباحثون وأوصى به الأئمة المحققون، فهذا العلامة شيخ الفن في هذا العصر الأستاذ محمد عبد السلام هارون رحمه الله تعالى، يقول: ّ ولعل أشنع ما يقع في هذا الفن أن يخرج الكتاب مجردا من الفهارس الفنية أوتوضع له فهارس غير ذات جدوى ّ. ويقول: ّ فلم يعد مستساغا ولا مقبولا أن يخرج كتاب لمؤلف محترم، أو من دار نشر محترمة خاليا من الفهارس الفنية أو التحليلية ّ. ويقول: " ولسنا بصدد أن نبين قيمة الفهارس بعدما وضح للباحثين ضرورتها وشدة الحاجة إليها ّ. (عن كتابه: قطوف أدبية: 91 – 94 – 266).
وكأني بصاحبي الغفل أحس بسوء فعلته وورطته، وأدرك قبح جريرته وخيانته، فسارع إلى وضع تعليق ساقط يحسب أنه نافعه ورافعه، قال فيه (1/ 86) من مقدمة الدراسة: " وللأمانة العلمية نقول: تعذر طبع الفهارس المصنوعة بواسطة المؤلف لظروف خاصة فقمنا بعملها بواسطة مكتب التحقيق الخاص بمكتبة أضواء السلف ".
فأي ظروف خاصة منعته من وضع الفهارس المصنوعة بواسطة المؤلف كما يقوله ويدعيه؟؟ وأي ظروف خاصة أيضا منعته من مقابلة الكتاب وتصحيح تجارب طبعه وغيرهما من الأمور الفنية والمسائل العلمية؟؟
وهل مكتب التحقيق الخاص حريص على خدمة الكتاب كصاحبه العالم بما فيه والعارف بمخبآته؟؟ فصاحب البيت أدرى بالذي هو فيه، وأهل مكة أعرف بشعابها.
فإن الدرهم المضروب باسمي أحب إلي من دينار غيري
وفي الختام أقول: لقد كان من الواجب على الناشر المذكور شرعا والمحتم عليه عقلا أن لا يتدخل فيما لا يعنيه، ويترك الأمر لأهله وذويه، فإن على ظهر غلاف الكتاب بالخط الواضح العريض: " قرأه وخرج نصوصه وعلق عليه وقدم له الدكتور الحسن بن عبد الرحمن العلوي"، وليس لاسم غيره فيه نصيب، وهو وحده الذي يتولى حاره وقاره، وهو وحده الذي له غنمه وعليه غرمه، وقد نصت كافة القوانين على حماية ملكية الحقوق العلمية والأدبية لصاحبها، تحفظ له دوما حيا وميتا، ويعاقب المعتدي عليها، أو العابث بها، أو المتصرف فيها، كما تؤيده أيضا عموم نصوص الشرع الحنيف وقواعده العامة وضوابطه الثابتة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وكتب الدكتور الحسن بن عبد الرحمن العلوي
محقق كتاب ّ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ّ.
المملكة المغربية/ مراكش.
البريد الإلكتروني: [email protected]
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87458
¥