وما قاله العلامة الحسن اليوسي المغربي رحمه الله تعالى في مصنفه القانون: " وما أحوج الناس إلى إقامة الحسبة على الناسخين، وقد اعتنوا بشربة لبن أن لا يزاد فيها ماء، وخبزة أن لا ينقص منها وزن قيراط، وأهملوا الكتب التي هي قوام الدين ومرجع الأمر كله ".
أرجع لأفصل ما أجملته وعرضته من انتقاد وتجريح على نشرة الكتاب وما فيها من عيوب واشتملت عليه من عوار، فأقول، ومنه سبحانه أستمد العون والتأييد:
1 _ إن العقد الذي أبرم بيننا - وللعلم أني لساعتي هذه لم أوقعه ولم أِِوكل أحدا بذلك _ ينص صراحة في عدة فقرات منه وبنود فيه على أن محقق الكتاب له الحق الكامل المطلق فيما يخص الأمور العلمية والأدبية من جميع النواحي والمناحي، وأن الناشر يقصر عمله على مسائل الطبع وأمور النشر فقط، ولا يحق له قطعا المساس أو التدخل في الشأن العلمي والحق الأدبي للمحقق، حتى إنه نص في صلب العقد على أن طبع الكتاب ونشره لا يتم إلا بعد موافقة محققه وتوقيعه على ذلك، وبعد تصحيح آخر "بروفة" منه، إلا أن ذلك كله لم يحصل ولم يكن.
وهذا ذكر للفقرات والبنود الدالة على هذا الشرط كما هي مسطرة في العقد:
أ _ جاء في الفقرة الثالثة في صلب العقد رقم 3:
" يلتزم الطرف الأول (يعني المحقق) في تصحيح بروفات الكتاب ودقة التصحيح والعناية بالكتاب تحريرا وتنقيحا، ووضع الفهارس اللازمة، والتوقيع على آخر بروفة للكتاب كي تكون على مسؤوليته ويحتفظ بصورة منها ".
ب _ وجاء في الفقرة الرابعة في صلب العقد رقم 4:
" يلتزم الطرف الثاني (يعني الناشر) بصف الكتاب والعناية الأولية للطباعة والأمور الفنية والخطوط اللازمة والتنسيق مع المحقق (الطرف الأول) بألا يدفع الكتاب للطباعة إلا بعد مراجعة الطرف الأول له مراجعة نهائية، ويلتزم بإخراجه إخراجا قشيبا قدر المستطاع".
ج _ وجاء في الفقرة السابعة في صلب العقد رقم 7:
" يحفظ الطرف الثاني (الناشر) للطرف الأول (المحقق) الحقوق الأدبية بعدم الحذف أو الزيادة في الكتاب إلا بعد موافقة الطرف الأول ".
2 _ إسقاط الناشر عمدا تقريظا علميا للكتاب مدعيا أن كاتبه يفضل ابن القيم على شيخه ابن تيمية، فالشيخ حفظه الله تعالى يقول بعد كلام له: " وهو في نظري (يعني ابن القيم) أرصن أسلوبا وأتقن ترتيبا وأشرق بيانا من شيخه شيخ الإسلام، إلا أن هذا (يعني ابن تيمية) بحر زاخر تمتزج فيه المعارف والبراهين امتزاجا يتحير معه الذهن أحيانا، فلذلك يكثر استطراده فيضطر أحيانا للتوقف عن الاندفاع والرجوع إلى الموضوع، بينما تلميذه الإمام يحافظ على الموضوع وتسلسله في ترتيب وتناسق عجيبين ".
هذه هي كلمة الشيخ التي لم تعجب صاحبنا، وهي أولا وآخرا في نظره ومن اجتهاده، ثم هي ثانيا رأي الكثير من أهل العلم والفضل قدامى ومحدثين يطول تسطير أقوالهم في هذا المقام، ولا ضير في الأمر لا تنقص، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية يكفيه شرفا وفخرا وعزة أن يكون العلامة ابن القيم تلميذه ووارث علمه، ويكفي ابن القيم حظوة وقدرا ورفعة أن يكون ابن تيمية شيخه وأستاذه ... وما زال الأئمة النبلاء، والعلماء الكبراء، يتفاوت فيهم أهل الفضل والإيمان، ويتفاضل فيهم أهل العدل والإحسان، ممن عاصرهم أو ممن جاء بعدهم، حتى يكون ذلك بين الشيخ وتلميذه والطالب ومعلمه، وليس في ذلك غضاضة ولا عيب ولا منقصة عليهما أو على أحدهما، وكتب التراجم والطبقات حافلة بمثل هذه الأخبار، ومن أقرب الأمثلة المعلومة عند طلبة العلم على هذا الشيء ما ذهب إليه الحافظ أبو علي النيسابوري ووافقه عليه بعض المغاربة من تفضيل صحيح مسلم على صحيح شيخه البخاري من حيث " جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى ". والغاية من هذا الإيراد التدليل على ما كان عليه الأئمة الهداة من تقديم آراء بعض العلماء أو تفضيل مناهجهم في البحث العلمي على البعض الآخر، دون انتهاك لحرمتهم ولا تجريح لذواتهم ولا حط من قدرهم وعلمهم، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات.
¥