تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 - وقد تمخض من هذه الشبهة أنه رتب على ذلك نتيجة التطور الذي طرأ في فكر ابن عباس وفكر تلاميذه هكذا نقل. وأقول إن هذا الاستنتاج باطل لأن دليله باطل، وأنه لم يطرأ أي تطور على فكر ابن عباس ولا على فكر تلاميذه، لأن فكرهم ومنهجهم منضبط بين دفتي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويعتمد على النقل، وقد صح عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: "كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول اللّه وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن من ذلك اجتهد رأيه" [15]، وما ذكره من الاجتهاد فهو أهل لذلك حيث أخذ العلم عن عشرات الصحابة فقد صح عن ابن عباس قال: "إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" [16].

ولم يطلق رأيه في كل شيء فما لم يعرفه يسكت عنه ويأبى أن يقفُ ما ليس له به علم، فقد أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية {والمُحصَنَاتُ مِنَ النَّسَاءِ إلاَ مَا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} [النساء/24] فلم يقل فيها شيئاً، فقال سعيد: "كان لا يعلمها" [17].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها".إسناده صحيح.

وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: "سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال له ابن عباس فما {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة} فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: "هما يومان ذكرهما الله في كتاب الله، اللّه أعلم بهما" فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم" [18].

وكان قد أفتى الناس في مسألة الصرف [19] فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي اللّه عنه يقول: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم". فقلت له: فإن ابن عباس لا يقوله. فقال أبو سعيد: سألته فقلت سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب اللّه؟ كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم مني، ولكن أخبرني أسامة أن النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة" [20]. ولكنه رجع عنها وقد أخرج الحاكم بسنده عن عبد اللّه بن مليك العجلي قال سمعت ابن عباس رضي اللّه عنهما قبل موته بثلاث يقول: "اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي الناس في الصرف. وصححه ووافقه الذهبي وقال الحاكم: وهو من أجل مناقب عبد اللّه بن عباس أنه رجع عن فتوى لم ينقم عليه في شيء غيرها [21].

وورد في صحيح مسلم أن أبا الصهباء سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه [22].

ومن هنا نستنتج أن ابن عباس لم يطرأ على فكره أي تطور بل هو من الصحابة الذين أخذوا منهج القراءة والتفسير عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أبو عمرو الداني في كتاب ((البيان)) بإسناده عن عثمان وابن مسعود وأبي: "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا".وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها" [23]. وأخرجه ابن عساكر والذهبي عن ابن مسعود بنحوه [24].

وكفى بشهادة ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس [25] وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" [26].

6 - أما ما ذكره أ. سزكين في قوله عن ابن عباس وتلاميذه: وكثيراً ما أدخل هؤلاء مبدأ الرأي وطبقوه في مجال التفسير ودفع الحرص على تفسير القرآن أيضاً عبد اللّه بن عباس وبعض تلاميذه إلى علماء النصارى واليهود من أهل الكتاب. اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير