تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير- تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى وأقسامه كالتمثيلات. هما الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف. ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملاً للأمرين، إما لكونه مشتركاً في اللغة كلفظ {قَسْوَرَةٍ} الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد، ولفظ {عَسْعَسَ} الذي يراد به إقبال الليل وإدباره، وإما لكونه متواطئاً في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَى} وكلفظ {والفَجْرِ ولَيالٍ عَشْرٍ والشَّفْعِ والوَتْرِ} هو وما أشبه ذلك، فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك.

فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وأما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام، وإما لكون اللفظ متواطئاً فيكون عاماً إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.

ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافاً أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر

وإما معدوم، وقلّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقرِيب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، فإذا قال القائل {ويَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراَ}: إن المور هو: الحركة كان تقريباً، إذ المور حركة خفيفة سريعة. وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: أوحينا إليك أنزلنا إليك، أو قيل: {وقَضَيْنا إلى بَني إِسْرَائِيلَ} أي أعلمنا وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو إعلامَ سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم.

والعرب تضمن الفعل معنى وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض كما يقولون في قوله {لَقَدْ ظَلَمَكَ بسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجه} أي مع نعاجه و {مَنْ أنْصَارِي إلى الله} أي مع اللّه ونحو ذلَك.

والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه، وكذلك قوله {وَإنْ كَادوا لَيَفْتِنًونَكَ عَنِ الَّذي أوْحَينا إلَيْكَ} ضمن معنى يزيغونك ويصدونك، وكذلك قوله {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنا} ضمن معنى نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله {يَشْرَبُ بهَا عِبَادُ اللَه} ضمن يروى بهأ. ونظائره كثيرة. ومن قال: لا ريب لاشك، فهذا تقريبَ. وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وفي الحديث: أنه مر بظبي حاقف فقال ((لا يريبه أحد)) فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة فالريب ضده ضمن الاضطراب والحركة. ولفظ ((الشك)) وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه. وكذلك إذا قيل {ذلِكَ الكِتَابُ} هذا القرآن فهذا تقريب، لأن المشار إليه وإن كان واحداً فالإشارة بجهة الحضور غير الإِشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظ ((الكتاب)) يتضمن من كونه مكتوباً مضموناً ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءاً مظهراً باديا. فهذه الفروق موجودة في القرآن. فإذا قال أحدهم {أنْ تُبْسَلَ} أي تحبس، وقال الآخر: ترتهن ونحو ذلك. لم يكن من اختلاف التضاد وإن كان المحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم.

والاختلاف قد يكون لخفاء الدليل، أو الذهول عنه، وقد يكون لعدم سماعه، وقد يكون الغلط في فهم النص، وقد يكون لاعتقاد معارض راجح. فالمقصود هنا التعريف بمجمل الأمر دون تفاصيله. اهـ[14].

وأضيف إلى ما ذكره شيخ الإِسلام أن الخلاف قد يكون بسبب القراءات المتواترة ففي بعض الأحيان يكون لكل قراءة معنى، وكذلك بعضهم يورد بعض القراءات الشاذة للتفسير لا للتلاوة. هذا بالنسبة لشبهة الاختلاف والتناقض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير