تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[10 - 03 - 05, 08:50 م]ـ

وجوه العبث بالتراث

ولقد هبَّت في عصرنا ريحٌ طيبة، أنعشت ذوي القُدرة واليسار في العلم، بإحياء كنوز التراث وإظهاره للناس، لكن: ((لا بدَّ في التمر مِنْ سُلاَّءِ النَّخّل، وفي العسل من إبر النحل)) فقد صاحب هذه البشارة نَذَارَة، صاحبها ريحٌ عاصفٌ، وأصابها صرٌّ قاصف؛ إذ أضحت هذه الثروة التي تَمَيَّزَ بها المسلمون عن سائر الأمم، نِهَابَاً تَرَاهَا في كفِّ كل لاقط، يتوازعها الجياعُ بصلابةِ جبين، فيتلقونها بأكفٍّ مفتوحةٍ كأنما هي من كدِّهم وكدِّ أبيهم، وترقصُ أقلامهم بين سطورها متصرفةً بما بدا لها، تصرف المُلاَّك في أملاكهم، وذوي الحقوق في حقوقهم، وهم لا يستحقونها بنسبٍ ولا بسببٍ؛ بل هم محجوبون ممنوعون لاختلاف الدين، أو رِقٍّ أصاب العقول.

فصار إظهارُ جملةٍ كبيرةٍ من التراث مطبوعاً يعتريه عوامل نَحْسٍ مَهُوْلَةٍ تُمَثِّلُ ظاهرةً مؤلمةً جاءت بالخاطئة، ونهضةٍ مهجنةٍ خافضة، ترتعدُ من هُجنتها فرائص أهل البصائر، منها:

1 – مسخ الكتاب عن مكانته التي خطَّها قلمُ مؤلفه؛ فإذا كان العلماء بالأمس يقولون: (الناسخ ماسخٌ) فإنَّا نقول اليوم: ((الطابع عابث))؛ لِمَا تراه من الفرق بين الأصل والمطبوع، كالفرق بين طَلْعَةِ الصُّبْحِ وفَحْمَةِ الدُّجَى.

2 – اغتيال الطبعة القديمة؛ فترى الفرق بين الطبعتين كالفرق بين الرجلين.

3 – وَأْدُ التحقيق؛ فترى الكتاب يخدمه عالمٌ متقنٌ ن ثم يستله متعالمٌ صعلوك، فَيُحَوِّرُ في الحواشي، بعد أنْ يتنمَّر في المقدمة بِثَلْبِ الطبعة السابقة، ولهم مسالك شتى.

4 – تَنْتِيْفُ الكتب، باختيار بحثٍ أو سَلْخِهِ من كتاب لابن القيم – رحمه الله تعالى – مثلاً، فيُكْتَبُ على غلافهِ: تأليف ابن القيِّم، دون الإشارة إلى أنَّه من كتاب له، وهذا غاية في التغرير والتلبيس.

5 – تقصُّد التحريف؛ والتبديل، وتحويل النصوص إلى تأييد مذهبٍ ما؟! وقد أفردتُ عن (تحريف النصوص) كتاباً وهو مطبوع.

6 – عبث الورَّاقين؛ من دور النشر، والطباعة، والكتبيين مُتَحسِّسين حاجة السوق، فيخرج الكتاب من عمل مكتب التحقيق – الوهمي – بالمطبعة، أو المكتبة.

7 – وأخصُّ منه: أن يرسم على طرة الكتاب: حققه فلان، وما رآه قط! يملون هذا استغلالاً لأسماء ذائعة الصيت، مسموعة الصوت في الأوساط العلمية، طلباً لكسب الثقة بإخراج الكتاب وترويجه.

8 – وأخصُّ من هذا: نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه للترويج تارة، ولإفساد الأحكام والعقائد تارة أخرى.

9 – وأشمل من هذه: انتحال الكتب والرسائل لاسيما في الأطروحات.

وانتحال الكتب واستلالها داء قديم، وفيه مؤلفات مفردة، وباسم: ((السرقات الأدبية)).

10 – التصرف باسم الكتاب، حتى إن الكتاب يطبع عدةَ طبعات بعدة أسماء، ليس فيها واحد سمَّاه به مؤلفه، بل إنَّ التغيير لاسم الكتاب قد يَنُمُّ عن ذِلَّةٍ وانهزام، وكان من آخر ما رأيته مطبوعاً كتاب: ((مقامع أهل الصلبان، ومراتع أهل الإيمان)) لأبي عبيدة أحمدُ بن عبد الصمد الخَزرجي، المتوفى سنة 582 هـ طبع باسم: ((بين الإسلام والمسيحية)) وهو عنوان مختلق موضوع، وفيه ملاينة للنصارى من وجوه لا تخفى.

وهذا بابٌ يصعب حصره.

11 – نفخ الكتاب بالترف العلمي، وزغل التحقيق.

12 – تستُّر أهل الأهواء بكتب السلف التي تحمل الإسلام على ميراث النبوة صافياً، فينهض أهل الأهواء إلى إخراجها، وتحشيتها بضرائر: من وساوس المبتدعة، وترَّهات الصوفية، معاول المؤولة، وأفاعيل المتعصبة في الأصل والحاشية.

ومن أبرزها ظاهرة ((تحنيف الكتب)) حتى جاؤوا بالمضحكات، ومنها قول بعضهم على قول أبي الشيخ في كتابه ((أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم –)): ((وكان – صلى الله عليه وسلم – عنده سيفٌ حنفي) علَّق عليه المتعصب بقوله: ((نسبةً للإمام أبي حنيفة))، ثم جاءت نفثات المستغربين الجُدُد، فطموا الوادي على القُرَى.

يتبع - بإذن الله -.

ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[12 - 03 - 05, 10:31 م]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير