تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن هذا المسكين لو قلب ناظريه في هذه الدنيا لم ير فيها إلا مبتلى إما في جسده أو في ماله أو في عياله،

وأن سرور الدنيا أحلام نوم، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرته يوماً ساءته أيام.

ثانيا: المعرفة بأنك وما تملك ملك لله رب العالمين، ثم إن المرجع والمآب على الله:

فهو سبحانه الذي خلقنا ورزقنا وصورنا وأعطانا السمع والأبصار والأفئدة،

واستخلفنا في هذه الدنيا لينظر كيف نعمل فيها:

هل نكون فيها من المؤمنين الموحدين الصابرين المحتسبين،

أم نكون والعياذ بالله لنعم الله من الكافرين!!

وحقيقة هذا المعنى في قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين*وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُون*وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} (البقرة: 153 - 157).

(إنا لله وإنا إليه راجعون)، وهذه الكلمة هي أبلغ علاج للمصاب في دنياه وأخرته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما هانت عليه مصيبته:

الأصل الأول هو: أن العبد وأهله وماله، وما يملك ملك لله رب العالمين، وقد جعل الله هذه الأشياء عند العبد وديعة ولا بد لها أن ترد إلي خالقها.

والأصل الثاني هو: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله، ولابد أن يترك هذه الدنيا وراء ظهره، ويأتي ربه فرداً كما خلقه أول مرة، لا أهل، ولا مال، ولا ولد، ولكن بالحسنات والسيئات،

فإذا كانت هذه البداية، وتلك هي النهاية،

فكيف يفرح بشيء موجود بين يديه،

وكيف يحزن على شيء مفقود بعد أن كان بين عينيه؟

ثالثا: الرضى بقضاء الله وقدره:

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير*لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور} (الحديد:22 - 23).

إن إيمان العبد بقدر الله النافذ،

واستسلامه له أكبر عون على مواجهة المصائب،

فما أصابك لم يكن ليخطأ ك،

وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

واعلم أن الجزع والهلع والضيق لا يرد من قدر الله شيئاً،

فلابد من الصبر أول الأمر لئلا يحرم العبد من الثواب،

ولئن لم يصبر أول الصدمة،

فسيصبر بعد ذاك رغم أنفه ولا أجر له.

ولهذا قال الله لرسوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُون*وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِين*وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين} (الأنعام: 33 - 35)

فأزال الوحشة عن قلب رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأن هؤلاء القوم من أهلك وعشيرتك لا يكذبونك فيما جئت به من الحق والصراط المستقيم،

وإنما تكذيبهم لرب السماء والأرض،

فقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب،

ثم عزاه في الثانية بما حدث لرسل الله فصبروا فهو ليس في هذا السبيل بأوحد،

ثم قال له: إن شق عليك إعراضهم، وذهبت نفسك عليهم حسرات، وضاق صدرك من كفرهم وتكذيبهم، فليس لك إلا الصبر، وإلا فافعل ما بدا لك فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض تهرب منه، أو سلماً في السماء تصعد عليه فدونك فافعل.

رابعا: حسن جزاء الصابرين عند رب العالمين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير