وفي صحيح مسلم من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ؟ قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ.
أولا: ما هي الاستقامة؟
أيها المسلمون الكرام: أتكلم عن الاستقامة كتعريف، ثم أتكلم عن الاستقامة كحقيقة.
فالاستقامة: هي الإقامة والملازمة لمنهج الله - عز وجل - في الأرض دون انحراف عنه، فتستقيم هذا المنهج الرشيد الذي جاء به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير أن تبدل فيه ولا تزيد، و من غير أن تزيغ عنه ولا تحيد، فتفعل المأمور من فرائض وواجبات، وتجتنب المحظور من محرمات ومنهيات.
وحقيقة الاستقامة: هي السداد في جميع الأقوال والأعمال والنيات، وهذا السداد إنما هو نتيجة طبيعية لتمسكك الإنسان المسلم بهذا الدين الحنيف، فروضه وواجباته، سننه ومستحباته، صغيرة وكبيرة، قليلة وكثيرة، ثم الثبات عليه حتى الممات.
فالإنسان المستقيم هو المسدد في أقواله، المسدد في أفعاله، المسدد في نياته، المسدد في حركاته، المسدد في سكناته، المسدد في همساته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وأعظم الكرامة، لزوم الاستقامة.
فلزوم الاستقامة أعظم من كرامة الطير في الهواء، وأعظم من المشي علي الماء، وذلك لأن هذه الدنيا هي دار الابتلاء ودار العمل والإعداد للآخرة، وابتلاهم بشياطين الإنس والجن والشهوات والشبهات، ثم حذرهم من هذه الفتن والشهوات والشبهات.
قال أحد السلف: إبليس، والدنيا، والنفس، والهوى، كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟!
وقد أمر الله - عز وجل - عباده المؤمنين بالثبات على هذا الدين القويم، والاستقامة عليه حتى الممات، وكان على رأس الخلق إمام الموحدين، سيد المرسلين المعصوم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حيث قال الله له: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (هود:112)
قال - عز وجل -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (الشورى: 52 - 53).
ثانيا: على ماذا تستقيم في حياتك؟
وهذا هو أهم عناصر اللقاء وذلك لما فيه من التأصيل ...
أيها المسلمون الكرام إن الله - عز وجل - خلق الإنسان لأمر عظيم، وغاية كبرى، إلا وهي تحقيق العبودية لله - عز وجل - في الأرض، ومن أجل هذه الغاية: بعث الله الرسل - عليهم الصلاة والسلام - مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب، كل ذلك لتحقيق هذا المقام العظيم إلا وهو مقام العبودية.
وأنت لن تكون لله عبداً إلا إذا كنت لكتاب الله - عز وجل - متبعًا، وعلي سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تسير.
فهذا هو المنهج الذي عليه تستقيم: (كتاب الله - عز وجل -، وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -).
قال - عز وجل -: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور:54).
وقال - جل وعلا -: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (النساء:113).
وقال - عز وجل - لنساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب:34)، والحكمة: هي سنة النبي
قال الإمام الشافعي - طيب الله ثراه -: (سمعت بعض من أرض من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -).
¥