وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: "إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُم فِيْها؛ فيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُوْنَ؟ فاتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرَائِيْلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" ().
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِه وَجْهَ اللهِ لا يَتَعَلَّمَهُ إلاَّ لِيُصِيْبَ بِه عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ" () يَعْنِي رِيْحَهَا.
قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ " لا عَيْبَ فِي العُلَمَاءِ أقْبَحُ مِنْ رَغْبَتِهم فِيْمَا زَهَّدَهُم اللهُ فِيْه! " ()، أيْ: حُبَّ الدُّنْيَا.
* * *
قِيْلَ للإمَامِ أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ: إنَّ ابنَ المُبَارَكِ قِيْلَ لَهُ: كَيْفَ يُعْرَفُ العَالِمُ الصَّادِقُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يَزْهَد فِي الدُّنْيا، ويُقْبِلُ عَلَى أمْرِ الآخِرَةِ، فَقَالَ أحْمَدُ: هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يَكُوْنَ، وكَانَ أحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ حُبَّ الدُّنْيا، والحِرَصَ عَلَيْها! " ().
قَالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: "لَكَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَائِكِم زِيُّهُ، أشْبَهُ بِزِيِّ كِسْرَى وقَيْصَرَ مِنْهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ، إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، ولا قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، ولَكِنْ رُفِعَ لَه عِلْمٌ فَشَمَّرَ إلَيْه" ().
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ " إذَا فَسَدَ العُلَمَاءُ؛ فَمَنْ يُصْلِحُهُم؟ وفَسَادُهُم مَيْلُُهم عَلَى الدُّنْيا، وإذَا جَرَّ الطَّبِيْبُ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فَكَيْفَ يُدَاوِي غَيْرَه؟! " ().
وقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إذَا رَأيْتُم العَالِمَ مُحِبًا لدُنْيَاه؛ فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم، فإنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لشَيْءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ" ()، أمَّا قَوْلُه: "فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم"، أيْ: لا تَأخُذُوا مِنْه شَيْئًا مِنْ أمُوْرِ الدِّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَتْوَى أو عِلمًا، لأنَّه مُتَّهَمٌ في دِيْنِه، وقَدْ قِيْلَ: العِلْمُ دِيْنٌ، فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم، واللهُ أعْلَمُ.
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ " مِنْ شَرْطِ العَالِمِ أنْ لا تَخْطُرَ مَحَبَّةُ الدُّنْيا عَلَى بَالِه!، وقِيْلَ لَهُ: مَنْ سِفْلَةُ النَّاسِ؟ قَالَ: الَّذِيْنَ يَتَعَيَّشُوْنَ بِدِيْنِهِم! " ().
كَانَ يُقَالُ: "أشْرَفُ العُلَمَاءِ مَنْ هَرَبَ بدِيْنِهِ عَنِ الدُّنْيا، واسْتَصْعَبَ قِيَادُهُ عَلَى الهَوَى" ().
نَعَمْ؛ فإنَّ طَلَبَ العِلْمِ يَدُلُّ عَلَى الهَرَبِ مِنَ الدُّنْيا، لا عَلَى حُبِّها، أمَّا أهْلُ زَمَانِنا فَشَيْءٌ آخَرُ، فإلى اللهِ المُشْتَكَى، وعَلَيْه التُّكْلانُ!
وقَالَ حَسَنُ بنُ صَالِحٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا تُبَالِي فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا" ().
ومَا أبْلَغَ مَا هُنَا!؛ إذْ يَقُوْلُ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "فإذَا كَانَ يُخَافُ عَلَى العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أنْ تَفْتِنَهُم الدُّنْيا!، فَمَا ظَنُّكَ بِه فِي زَمَانِنَا هَذَا؟ اللهُ المُسْتَعَانُ. مَا أعْظَمَ مَا قَدْ حَلَّ بالعُلَمَاءِ مِنَ الفِتَنِ وَهُم عَنْهُ فِي غَفْلَةِ! " () انْتَهَى.
قُلْتُ: وَكَأنِّي بالآجُرِّيِّ رَحِمَهُ اللهُ يَصِفُ أكْثَرَ عُلَمَاءِ زَمَانِنا، وهُمْ حَتَّى سَاعَتِي هَذِه مَا بَيْنَ غَفْلَةٍ أو تَغَافُلٍ، وجَهْلٍ أو تَجَاهُلٍ بالفِتَنِ العَاصِفَةِ بالعِبَادِ والبِلادِ، فاللهُ المُسْتَعَانُ!
* * *
* وأمَّا العَائِقُ الثَّانِي: فَهُوَ الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وأهْلِ الدُّنْيا، فَهَذَا (واللهِ!) المَوْتُ الأسْوَدُ، والحَوْرُ بَعْدَ الكَوْرِ، إلاَّ مَنْ سَلَّمَهُ اللهُ، وقَلِيْلٌ مَا هُم، فعِيَاذًا باللهِ مِنْه!
فيَا طَالِبَ العِلْمِ؛ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ الدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِيْنِ، وأهْلِ الدُّنْيا!
¥